قوله –رحمه الله-: ((رُبع العشر)) هذا بيان لقدر الزكاة في نصاب الذهب والفضة، وهو ربع العشر أي واحد من أربعين، وعليه فإذا أردت أن تعرف زكاة الذهب أو الفضة، فاقسم قدر ما معك من الذهب والفضة سواء بالعد أو بالوزن إذا كان ذهبًا على أربعين، والناتج هو ما يجب في الذهب والفضة.
وقوله –رحمه الله-: ((وحديث أنس مرفوعًا«وفي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ»[سبق]))، هذا يشمل ما كان مصكوكًا من الفضة، ما كان دراهم ومصكوكًا، وما كان غير مصكوك، كما لو كان غير مضروب على نحو الدراهم.
والمؤلف –رحمه الله-ذكر في بيان ما يجب في الذهب والفضة ما ذكرته في قوله: إذا بلغ في الذهب عشرين مثقالًا، وفي الفضة إذا بلغت مائة درهم اختلاف الذهب عن الفضة في كون الذهب يعتبر في نصابه الوزن، والفضة يعتبر في نصابها العدد، والمذهب أن المعتبر فيهما الوزن، وأن الإنسان إذا ملك مائة وأربعين نصابًا من الفضة وجبت فيها الزكاة، وهي قدر خمسمائة وخمس وتسعون غرامًا، سواء بلغت مائة درهم أو قصرت عنه، هذا الصحيح من المذهب.
ومن أهل العلم من قال: إن الواجب في ذلك ينظر فيه إلى العدد، وقد ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام –رحمه الله-، ولهذا يرى شيخ الإسلام وجوب الزكاة في الفضة بالعدد، وفي كل زمان يعتبر ما في أيدي الناس مما يتعاملون به، سواء كان من الفضة الخالصة، أو المغشوشة، الصغيرة أو الكبيرة، هذه قاعدته –رحمه الله-في ذلك، سواء كانت في الزكاة، أو تقدير ما يكون من نصاب السرقة الذي يوجب القطع.
قوله –رحمه الله-: ((ويزكى مغشوش، إذا بلغ خالصه نصابًا وزنًا)).
أي: إنه إذا كان الذهب والفضة قد ضربا ضربًا فيه غش من جهة قدر ما فيهما من الذهب أو الفضة، فإن المعتبر في النصاب، وفي قدر ما يجب، هو بلوغ النصاب من خالص الذهب ومن خالص الفضة، وكذلك في قدر ما يجب، فيزكى المغشوش من الذهب والفضة إذا بلغ خالصه نصابًا، فإن لم يبلغ نصابًا، فلا زكاة فيه.
ثم إذا بلغ نصابًا كيف يخرجه؟
إذا علم قدر ما فيهما أي: الذهب أو الفضة، الدراهم أو الدنانير، إذا علم قدر ما فيهما من ذهب أو فضة أخرج قدر الواجب، فإن جهل ذلك لم يجزئه أن يخرج حتى يتيقن قدر ما في هذين الأصلين من الدراهم والدنانير من الذهب والفضة.
ولهذا الاحتياط أن يخرج بناء على الأحوط، الحساب المتيقن حتى تبرأ الذمة، أو يخرج قدر الزكاة بيقين، حتى يسلم من نقص ما وجب عليه.
قال –رحمه الله-: ((ويضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب بالأجزاء فلو ملك عشرة مثاقيل ومائة درهم فكل منهما نصف نصاب ومجموعهما نصاب))، هذا بيان فيما يضم في تكميل النصاب، فيضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب في كل منهما على رواية، وهي المذهب، فإذا كان عنده نصف نصاب من الفضة كما مثل المؤلف، وعنده من الذهب ما قيمته مائة درهم صار مجموع ما عنده مائتي درهم، وهو نصاب الفضة.
ووجه هذا القول -أي ضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب- أنهما يجريان مجرى الجنس الواحد لاتفاق منفعتهما، فإنهما قيم المتلفات وأروش الجنايات وما أشبه ذلك، فالذهب والفضة وإن كانا جنسين مختلفين، إلا أنهما كنوعي الجنس الواحد، فتجب الزكاة بضمهما.
أما ضم أحد النقدين إلى ما ليس بنقد كالفلوس ونحوها، فهذا غير سائغ على المذهب، لأن الفلوس لا تأخذ حكم الذهب والفضة في الزكاة، بل هي في حكم عروض التجارة كما تقدم.
والرواية الثانية في المذهب: أنه لا يضم الذهب والفضة، بل كل جنس منهما يعامل بمفرده، لأن النبي ﷺ فرق بينهما فقال ﷺ: «ليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أواقٍ صَدَقَةٌ»[صحيح البخاري(1405)، ومسلم(1 - (979))]، فإذا أوجب الزكاة في أقل من ذلك لكونه ضم مع الذهب يكون بذلك قد خالف ظاهر الحديث، ولأنهما مالان يختلف نصابهما فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالماشية، وهذا القول أصح؛ لأنه أقوى دليلًا وأصح تعليلًا.
ثم قال المصنف –رحمه الله-: بعد أن ذكر مسألة الضم قال: ((ويجزئ إخراج زكاة أحدهما من الآخر))، أي: يجزئ إخراج زكاة الذهب من الفضة، والفضة من الذهب، وعلل ذلك بأن مقصدهما وزكاتهما متفقة، فهما كنوعي الجنس ولا فرق بين الحاضر والدين.
وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد أنه لا يخرج زكاة كل جنس إلا منه، كما لا يخرج الحب عن التمر، والتمر عن الحب، ولا البقر عن الغنم، ولا الغنم عن البقر، وقيل: إن هذا الاختلاف مبنى على اختلاف الروايتين في الضم، فإن قلنا: يضم الذهب إلى الفضة أجزأ إخراج أحدهما عن الآخر، وإلا فلا، وهذا التوجيه ذكره ابن المنجى في الممتع.
والصواب: أنه لا يضم جنس إلى آخر في النصاب، ولا يجزئ إخراج أحد الجنسين عن الآخر، وذلك لاختلافهما في النصاب، واختلاف هذين الأصلين في الجنس، وإن اتفقا في المنافع كما هو الشأن في الحبوب، وكذلك في بهيمة الأنعام.
ثم قال –رحمه الله-: ((وتضم قيمة العروض)) أي: عروض التجارة إلى كل منهما، كمن له عشرة مثاقيل ومتاع قيمته عشرة أخرى، أو له مائة درهم، ومتاع قيمته مثله، ولو كان ذهب وفضة وعروض ضم الجميع في تكميل النصاب.
هذا بيان أنه يضم أيضًا لتكميل النصاب قيمة العروض التي للتجارة إلى كل منهما، وقد قال الموفق ابن قدامه –رحمه الله-:لا أعلم فيه خلافًا كمن له عشرة مثاقيل ومتاع قيمته عشرة أخرى، أو له مائة درهم ومتاع قيمته مثلها، ضم هذا إلى ذاك في النصاب، وفي بيان قدر ما يجب، لأن الزكاة إنما تجب في قيمة العروض، والعروض يقوم بالذهب والفضة، ولما كانت تقوم بالذهب والفضة ضمت قيمة العروض إلى الأصل الذي اعتبرت به.
ثم قال –رحمه الله-: ((ويباح للذكر من الفضة الخاتم)) ، هذا شروع في بيان أحكام استطراديه تتعلق بالذهب والفضة، في تفاصيل لا علاقة لها بالزكاة، إنما ذكرت استطرادًا، فنجعلها -إن شاء الله- في الدرس القادم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
هذا ثالث أجناس الأموال التي تجب فيها الزكاة وهو النقدان، وقد بين الشارح المراد بالنقدين فقال:
أي: ((الذهب والفضة)) أي: باب زكاة الذهب والفضة، وزكاة الذهب والفضة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 34]، وكذلك تدل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة الآيات التي فيها وجوب الزكاة في الأموال، كقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103]، ومن أشرف الأموال الذهب والفضة.
أما السنة فقد جاء في أحاديث عديدة منها ما سيذكر المصنف –رحمه الله-في ثنايا هذا الباب، ومن ذلك ما في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ»[صحيح مسلم(24 - (987))]، وقد أجمع العلماء على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، إذا بلغ القدر الذي بينه النبي ﷺ وسيأتي بيانه، وهذا في الذهب والفضة ظاهر، وقد اختلف العلماء فيما يقوم مقام الذهب والفضة من النقد سواء كان معدنيًا كالفلوس، أو ورقيًّا، أو إلكترونيًا كما هو الحال في الوقت الحاضر، هل تجب فيه زكاة أو لا؟
وقول المصنف –رحمه الله-في أول الباب :((باب زكاة النقدين، أي: الذهب والفضة)) ، يفهم منه أن الفلوس الرائجة لا تسمى نقدًا، ووجوب الزكاة فيها ليس لكونها ذهبًا أو فضة، بل لكونها عروضًا، ولذلك قال في كشاف القناع: "والفلوس كعروض التجارة فيها زكاة القيمة كباقي العروض"[كشاف القناع للبهوتي(5/21)]، ولا يجزئ إخراج زكاتها منها، فالفلوس لا يجرى فيها ما يكون في الذهب والفضة من أحكام على المذهب، بل هي من عروض التجارة، هذا هو الصحيح من المذهب.
وقيل: لا زكاة فيها اختاره جماعة، وقيل: تجب بها الزكاة إذا بلغت قيمتها نصابًا، وقيل: بل إنما تجب فيما إذا كانت رائجة نافقة يجري بها التعامل، هذه أقوال في المذهب فيما يتعلق بزكاة الفلوس ونحوها مما يقوم مقام الذهب والفضة على اختلاف صوره وأنواعه.
والصحيح من المذهب أن الفلوس كعروض التجارة الزكاة تجب في قيمتها.
قوله –رحمه الله-: ((يجب في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالًا، وفي الفضة: إذا بلغت مائتي درهم إسلامي: ربع العشر منهما))، هذا بيان القدر الواجب مع النصاب، فبين النصاب في الذهب والفضة، وبيَّن ما يجب في زكاة الذهب والفضة إذا بلغت نصابًا، فالنصاب قال فيه –رحمه الله-: ((يجب في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالًا، وفي الفضة: إذا بلغت مائتي درهم))، والفرق بينهما أن الذهب حسب نصابه بالوزن؛ لأن المثقال معيار وزن، وأما الفضة فجعل نصابها مقدرًا بالعدد، فقال: بلغت مائتي درهم.
والمثقال يختلف باختلاف ما يوزن به، لأنه معيار وزن، وقد قال المصنف –رحمه الله-في بيان مقادير المثقال والدرهم فيما سيأتي بعد قليل.
المقصود أن الذهب جعل نصابه مقدرًا بالوزن، والفضة جعل نصابهًا مقدرًا بالعدد.
وأما قدر الواجب فهو ربع العشر منهما، أي واحد من أربعين، ففي كل أربعين درهم إذا بلغت نصابًا درهم، وفي كل أربعين مثقالًا مثقال، وسيأتي مزيد بيان لهذا.
أما الأصل الذي استند إليه، والدليل الذي بني عليه هذا الحكم، وهذا التقدير في النصاب والواجب قال –رحمه الله-: ((لحديث ابن عمر وعائشة مرفوعًا: أنه كان يأخذ من كل عشرين مثقالًا نصف مثقالٍ. رواه ابن ماجه، وعن علي نحوه))، أي: نقل عن علي -رضي الله تعالى عنه- نحو ما جاء في حديث ابن عمر وعائشة فيما يتعلق بمقدار نصاب الذهب، وما يجب فيه.
ثم انتقل المؤلف -رحمه الله-إلى بيان حساب المثقال، لاختلاف الأوزان، فبيَّن أولا أن الاعتبار في الدرهم الإسلامي، وذكر وزنه أنه ستة دوانق، والدانق ضرب من النقود الفضية، يقدر بسدس الدرهم، والدراهم كانت كما قال المرادوي في صدر الإسلام صنفين، الدراهم كانت في صدر الإسلام على صنفين، سوداء زنة الواحد منها ثمانية دوانق، وطبرية زنة الواحد منها أربعة دوانق.
ولهذا قال بعض خلفاء بني أمية بجمع هذين، وجعلوا الدرهم ستة دوانق بين الدراهم السوداء والدراهم الطبرية، وهذا هو المراد بالدرهم الإسلامي، وبحساب الدراهم بالمثاقيل، فالعشرة دراهم تقابل سبعة مثاقيل من الذهب، فالدرهم نصف مثقال وخمُسُه، أي خمس المثقال.
وعلى هذا أجمع أهل العصر، كما قال البهوتي[كشاف القناع(5/8)]، وأما ما يتعلق بما ذكر –رحمه الله-من التقدير الذي قال فيه: ((الذي وزنه ستة دوانق، والعشرة من الدراهم سبعة مثاقيل، فالدرهم نصف مثقال وخمسه، وهو خمسون حبة وخمسا حبة شعير، والعشرون مثقالا خمسة وعشرون دينارا وسبعا دينار وتسعه، على التحديد بالذي زنته درهم وثمن درهم)).
هذا الحساب في اليوم قد لا يفيد كثيرًا، لاختلاف طرائق الناس في الوزن، ومعايير القياس، ولهذا اجتهد العلماء المعاصرون في تقدير نصاب الذهب والفضة بالوزن المعاصر.
فقالوا: العشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل، ومائتا درهم تساوي مائة وأربعين مثقالًا، والمثقال أربعة وخمس وعشرين، فيكون نصاب الفضة بالغرامات بالوزن المعاصر: خمسمائة وخمسًا وتسعين غرامًا من الفضة.
أما الذهب فالدينار أربع غرامات وربع وعشرون مثقالًا، يكون النصاب خمسًا وثمانين غرامًا من الذهب.
هذا نصاب الذهب ونصاب الفضة، وقدر ما يجب فيهما هو ربع العشر.
إذًا قوله: ((والعشرون مثقالًا خمسة وعشرون دينارًا وسبعا دينار وتسعه، على التحديد بالذي زنته درهم، وثمن درهم)) هذا بيان لما جرى من التغير في زنة الدنانير في الزمان المتأخر، وكما ذكر بعض الباحثين أنه في القرن التاسع على كل حال.