قال رحمه الله:"الأول: الشروط، وهي ستة: الأول منها: الطهارة من الحدث، ولا بد فيه من ثلاثة أمور:أولًا: مُتَطَهِّر.ثانيًا: ومُتَطَهَّر به.ثالثًا: وطهارة.رابعًا: وناقض".
هذا التقسيم يشبه أن يكون ما جرى عليه عمل الفقهاء في العقود، ليس للفقهاء عناية بمثل هذا التقسيم في باب العبادات، إلا أن المؤلف لما كان قد بنى مؤلَّفه على ذكر التقسيمات الفقهية، عمد إلى تقسيم العبادات على نحو تقسيم الفقهاء للمعاملات، فالفقهاء يقسمون المعاملات، على سبيل المثال البيع؛ يقولون: البيع له أركان، أركان البيع: عاقدان، ومعقود عليه، وصيغة، وهكذا جارٍ في كل أنواع المعاملات، يقسمها العلماء على هذا التقسيم من حيث أركان العقد، العبادة جرى المؤلف رحمه الله في تقسيمها على هذا النحو.
فقال في تقسيم الطهارة:"ولا بد فيه"؛ أي: في الطهارة،
قوله رحمه الله : "من أربعة أمور: متطهِّر، ومتطهَّر به، وطهارة، وناقض".
قوله رحمه الله : "متطهر، ومتطهر به". "وطهارة" وهي الثمرة الناتجة عن هذين،
قوله رحمه الله "وناقض"وهو ما يهدِم الطهارة.
فقسم الطهارة إلى أربعة أركان تقوم عليها الطهارة، تحصيلًا وصيانة، تحصيلًا: متطهِّر ومتطهَّر به، والثمرة: حصول الطهارة، والذي ينقض الطهارة ويهدمها، وينبغي حفظ الطهارة من حصوله حتى تبقى: ناقضٌ. هذا التصنيف ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الموضع في عبادة الطهارة وفي غيرها.
لقائل أن يقول: لماذا بدأ المؤلف رحمه الله بالطهارة؟
أولًا: الطهارة ضد النجاسة، فالطهارة مأخوذة من: طُهْر الشيءِ، أو طَهُر الشيءُ، وهو خلاف النجس، وتُطلق الطهارة في اللغة: على النزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية، وفي الشرع: على النزاهة من الأشياء الحسية والمعنوية.
من أمثلة النجاسة الحسية قوله تعالى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ الأنعام: 145؛ أي: نجس، هذه نجاسة حسية.
ومثال النجاسة المعنوية في كتاب الله عز وجل، أي: فيما ذكره الله عز وجل في كتابه، قول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ التوبة: 28.
وكذلك في قوله جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ المائدة: 90، فهذه أيضًا نجاسة معنوية في قول بعض أهل العلم.
فالنجاسة تُطلَقُ على هذا وهذا. والطهارة هي السلامة منهما؛ الطهارة من الأقذار والأنجاس الحسية والمعنوية.
فالله -عز وجل- طهَّرَ أهل الإسلام حسًّا ومعنًى، وهي نوعان:
طهارة من حدث، وطهارة من خبث.
الطهارة من الحدث: طهارة حكمية.
والطهارة من الخبث: طهارة عينية.
بدأ المؤلف رحمه الله في ذكره للطهارة بالطهارة من الحدث؛ لأنها الطهارة المعنوية التي اشترطت للصلاة، وأمر الله تعالى بها المصلين، وأما الطهارة من الخبث فسيأتي ذكرها في كلام المؤلف رحمه الله.
والسبب في تقديم الطهارة على غيرها من مسائل العلم: أن الطهارة مفتاح الصلاة، ولذلك يقدمها الفقهاء ذكرًا.
والمؤلف هنا ذكر الصلاة، ثم لما ذكر شروط الصلاة، قدَّم الطهارة؛ لأن الطهارة مِفتاح الصلاة، فخصها بالبداءة دون سائر الشروط لأنها من الشرائط اللازمة للصلاة في كل أوقاتها، وهي من خصائص الصلاة، ولا بد من استصحابها في جميع الأركان، وليس في العبادات ما يُشترَطُ له الطهارةُ إلا الصلاة، ولذلك قُدِّمت الطهارة ذكرًا لاختصاص الصلاة بها.
قوله رحمه الله:"ولا بد فيها من أربعة أمور: متطهِّر، ومتطهَّر به، وطهارة، وناقض"، هذا يُشبِه –كما ذكرت- ما ذكره العلماء في تقسيم العقود.