قوله رحمه الله:"الثاني: الطهارة من النجاسة، وهي مشتملة على أربعة أشياء: نجاسة، ومزيل، ومُزال به، ومُزال عنه".
هذا هو القسم الثاني من أقسام الطهارة، وهو الطهارة من الخبث.
تقدَّم أن الطهارة تدور على معنيين: طهارة من حدث، وطهارة من خبث، والخبث المقصود به: النجاسة، وهي ما تقدَّم الإشارة إليه من كل مستقذر، فالنجاسة اسم لكل مُستقذَر.
يقول -رحمه الله- في بيانها، وذِكر أحكامها:"الطهارة من النجاسة".
قوله رحمه الله:"النجاسة: بولٌ، وغائطٌ، وغيرُ مأكولٍ" إلى آخر ما ذكر.
ذكر -رحمه الله- جُملةً مما يوصف بأنه نجس، والأصل في النجاسة: أنها اسم لكل شيء قذر، سواء كانت قذارته حسية أو معنوية.
ولكن في الاصطلاح النجاسة تُطلَق على كل عين مُستقذرةٍ شرعًا.
وفُهِمَ من هذا: أن النجاسة شيء لا بد فيه من دليل، لا يحكم لشيء من الأشياء بأنه نجس حتى يقوم الدليل على ذلك، وإلا فالأصل في الأشياء كلها والأعيان كلها الطهارة حتى يقوم الدليل على النجاسة.
ولهذا النجاسةُ حكمٌ توقيفي لا بد فيه من نص، وما ذكره المؤلف -رحمه الله- هي جملة من المسائل التي ورد فيها النص.
والطهارة من النجاسة: هي التخلي منها، ودليل ذلك قول الله جل وعلا:﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ المدثر: 4، ولا خلاف بين العلماء في أن المصلي يُطلَبُ منه الطهارة في بدنه، وفي ثوبه، وفي موضع صلاته. لا خلاف بين العلماء في الجملة أن المصلي يطلب منه هذا؛ يطلب منه الطهارة في ثوبه، وبدنه، وموضع صلاته.
قوله رحمه الله:"النجاسة بول وغائط"، وكل هذه الأمور مُتَّفق عليها.
قوله رحمه الله: "وغير مأكول"؛ أي: ما لا يُؤكل لحمه.
قوله رحمه الله: "وخمر"، وهذا محل خلاف بين العلماء، ودليل من قال بنجاسته -وهو قول الجمهور- قول الله تعالى:﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ المائدة: 90.
قوله رحمه الله:"فوق الهرة" يعني: حجمًا وجِرمًا، واستثنى الهرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة:«إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ».
قوله رحمه الله:"وجلد كل ميتة" يعني: سواء مما يُؤكل لحمه أو مما لا يُؤكل لحمه،
قوله رحمه الله:"ولا يطهر بالدباغ" أي: ما دُبِغَ من جلد الميتة، ولو كان مأكول اللحم فإنه لا يطهر بالدباغ، بل يبقى نجسًا، وهذا أحد القولين في المسألة.
ومسألة طهارة جلود الميتة بالدباغ فيها سبعة أقوال؛ والصواب أن كل جلد ميتة يطهر بالدباغ إلا الكلب والخنزير.
قوله رحمه الله: "وعظم كل ميتة" أي: أيضًا لا يطهُر.
قوله رحمه الله: "غير حيوان بحر" هذا استثناء، فإن عظمه طاهر لا ينجس بموته.
قوله رحمه الله:"وآدمي"؛ يعني: عظم كل ميتة نجس، إلا حيوان البحر والآدمي فإنه لا ينجس، هذا ما ذكره رحمه الله في سرده للنجاسات.
الآن البحث في طهارة النجاسة يشتمل على أربعة أمور:
أولًا: في تعيين النجاسة، ونحن أخذنا في هذا قاعدة: وهي أن الأصل في الأشياء الطهارة، ولا يحكم على شيء بأنه نجس إلا بدليل، فالنجاسة حكم توقيفي، هذا فيما يتعلق بالأول، وما ذكره منه ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه.
القسم الثاني مما ذكره -رحمه الله- تحت حكم الطهارة من النجس.