بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، غفر الله لنا ولشيخنا وللسامعين، قال المصنف وفقه الله تعالى في كتابه:
[أصولٌ في المعاملات المالية المعاصرة].
الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد:
فإنَّ الاشتغالَ بالعلم من أعظم القُرُبات، وأجلِّ الطاعات، وبه يُدرِك المرء خيري الدنيا والآخرة، فـ«من يُرِدِ الله به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدِّين» كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصَّحيحين" من حديث معاوية رضي الله عنه البخاري (71)، ومسلم (1037) .
ولما كان طلبُ العلم طريقًا يُوصل إلى مرضاة الله عزَّ وجلَّ، كان تيسيرُه وتسهيله من الإعانة على طاعة الله تعالى، وتحقيقًا لسِمَة يُسْرِ الشريعة؛ ولهذا اجتهد العلماء -رحمهم الله - قديمًا وحديثًا، في تيسير العلم على طلابه، وتقريبه لمريديه بكلِّ وسيلة ممكنة، شرحًا وبيانًا واختصارًا، نثرًا ونظمًا، تقعيدًا وتأصيلًا.
ومن أعظم ما يُوقِفُ الإنسان على حقائق العلم، ويُيسر له إدراكه: اشتغالُه بضوابط العلوم وقواعدها؛ فإنَّ القواعد والضوابط من أنفع طرق التعلم، فهي تنتظم منثور المسائل، وتقيِّد شواردها، وتُقرِّب متباعدها، وتُكسِب العارفَ بها ملكةً وقدرةً على النَّظر فيما يستجدُّ من الحوادث والوقائع الَّتي لا تنقضي على مرِّ الزَّمان، كما أنَّها تُفيد في الاطراد والسَّلامة من التَّناقض؛ ولهذا توافرت كلماتُ العلماء قديمًا وحديثًا على أهمية العناية بالتأصيل والتقعيد، ويتأكد ذلك في الفقه، ولا سيَّما في أبواب المعاملات؛ حيث إن غالب ما ورد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم هو قواعد من جوامع الكلم، التي يندرج تحتها ما لا حصر له من المسائل؛ ولهذا جمعتُ في هذه الورقات ما تيسر من أصولٍ تنبني عليها المعاملات المالية، وحرصتُ فيها على الاختصار، والاقتصار على مُهِمَّات الأصول، التي تدخل في جميع أبواب المعاملات، وإليها تُرجَع غالب قواعده ومسائله.
والعلم بهذه القواعد والأصول، يفتح كثيرًا من المُغلَقات على طلاب العلم في باب المعاملات؛ لذلك لا يستغني عنها الطالب المبتدئ، كما ينتفع بها المرتقي.
وقد اصطفيت من قواعد الباب وأصوله سبعة أصول، هي أُمَّهاتُ قواعد هذا الباب، وهي كما يلي:
أولًا: الأصل في المعاملات.
ثانيًا: منع الظلم.
ثالثًا: منع الرِّبا.
رابعًا: منع الغرر.
خامسًا: منع المَيسِر.
سادسًا: منع التَّدليس والغش.
سابعًا: سدُّ الذرائع.
واللهَ تعالى أسألُ أن ينفع بهذه الورقات مُطالِعَها، وأن يُبارك فيها لقارئها، وأن يجعل ما عَلِمناه منها مفتاحًا لفهم هذا الباب وإتقانه.
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذه المقدمة حوت التنبيه إلى ضرورة عناية المتعلم بالقواعد في كل العلوم، وأنَّ تفوُّق الإنسان وضبطه يرجع إلى عنايته بقواعد العلم الذي يتعلمه سواء كان ذلك في علم التفسير، أو كان ذلك في علم الحديث، أو كان ذلك في علم الفقه، أو كان ذلك في أي علمٍ من العلوم حتى في العلوم الدنيوية؛ فإن من اعتنى بالضوابط والقواعد والأصول كان متقنًا للعلم ملمًّا بأصوله التي تتفرع عنه مسائله.
وبالتالي بقدر ما يتقن طالب العلم والمتعلم هذه القواعد في العلوم يتقن تلك العلوم وتلك الأبواب، ويختصر على نفسه كثيرًا من المسائل والفروع التي يكل الذهن عن إحصائها، ولا يتمكن الإنسان من الإحاطة بها لكثرتها وتجددها.
فهذه القاعدة مهمة في كل العلوم.
وأشارت إلى أن الفقه من العلوم التي ينبغي أن يعتني الإنسان فيها بالقواعد على وجه الخصوص؛ لأن الفقه إجابة على مسائل، والمسائل لا حصر لها، والوقائع لا يمكن حدها على مر الأيام والليالي، وبالتالي السبق والإتقان هو في فهم هذه القواعد التي تُبنى عليها هذه الأبواب لاسيما في باب المعاملات.
والسبب في هذا: أنَّ النصوص في باب المعاملات محدودة، بخلاف النصوص فيما يتعلق بالعبادات فإنها كثيرة، ولك أن تصل إلى النتيجة بالنظر على سبيل المثال في كتاب [بلوغ المرام]؛ انظر كم هي أحاديث العبادات إلى بداية كتاب البيع، ثم انظر كم عدد الأحاديث في باب البيع إلى كتاب الحدود؛ ستجد أنَّ عدد الأحاديث فيما يتعلق بالمعاملات قد يصل إلى ما دون الربع من أحاديث أبواب العبادات؛ وذلك أن المعاملات بناؤها على القواعد.
ولهذا أشار المؤلف إلى ضرورة العناية بالقواعد في باب المعاملات، وعلل ذلك بأن غالب ما ورد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو قواعد جامعة يندرج تحتها ما لا حصر له من المسائل.
وقد انتخب فيما كتب سبعة أصول، سبع قواعد، هذه السبعة أصول والسبع قواعد هي مهمات القواعد، وإلا فإن القواعد في المعاملات المؤلفات فيها كثيرة، وقد ألَّف فيها من أوصل القواعد إلى مئين، بل قد تجاوز الألف في عدِّ قواعد أبواب المعاملات.
لكن تلك القواعد بعضها يُبنى على بعض وبعضها ينبثق عن بعض، وبعضها يصلح أن يكون ضابطًا لا قاعدة؛ ولذلك هذه أصول سماها بالأصول؛ لأنها بمثابة الجوامع الكبرى والأصول العامة التي تضبط باب المعاملات، وهي سبعة أصول سيتكلم عنها بالتفصيل:
الأصل الأول: بيان الأصل في المعاملات ما هو الأصل في المعاملات؟
الأصل الثاني: منع الظلم؛ فإن الشريعة جاءت بمنع الظلم في باب المعاملات.
الثالث: منع الربا.
الرابع: منع الغرر.
الخامس: منع التدليس.
السادس: منع الميسر.
السابع: سد الذرائع.
وهذه قواعد أساسية، يختصرها بعض أهل العلم، ويردُّ ذلك إلى ثلاث قواعد فيقول: القواعد التي تُبنى عليها المعاملات: منع الظلم، منه الربا، منع الغرر.
ويختصرها بعض أهل العلم في قاعدةٍ واحدة ويقول: القاعدة التي يُبنى عليها باب المعاملات: هو منع الظلم، ويجعل كل ما عدا ذلك متفرِّعًا عن هذه القاعدة التي قال الله تعالى فيها: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة:188] كما سيأتي تقريره.
المقصود: أنَّ الإجمال والتفصيل، البسط والاختصار يرجع إلى اختلاف النظر في مهمات القواعد، لكن بالنظر إلى الأصول التي تدور عليها مسائل الفقه في باب المعاملات لا يخرج الناظر في هذه المسائل عن الحاجة إلى بعض هذه القواعد السبع.
ونبدأ أولًا بالقاعدة الأولى، ونبدأ بتمهيدٍ بين يدي القواعد وهو التعريف بأصول المعاملات، تعريف معنى الأصول، وتعريف معنى المعاملات على وجه الإجمال.