"ثانيًا: من السنة".
يعني الأدلة التي استدلَّ بها القائلون بأن الأصل في المعاملات التحريم من السنة.
"الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قضاء اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» أخرجه البخاري (2168). .
وجه الدلالة: أن كل عقد أو شرط ليس في كتاب الله إباحته فهو باطل".
هذا أقوى ما استدلَّ به القائلون بأن الأصل في المعاملات التحريم، وهو حديث عائشة في قصة بريرة، حيث إن بريرة جاءت تستعين بعائشة - رضي الله تعالى عنها - في كتابتها حتى تُعتق، أرادت إعانتها، واشترطت ولاءها، فذهبت إلى أصحابها، مُلَّاكها، وقالوا: ما عندنا مانع، نقبل إعانة عائشة، لكن الولاء لنا، والولاء يكون لمن أعتق، ومن الذي أعتق؟ عائشة التي بذلت المال، اشترتها منهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال في خطبته: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قالوا – أي: هؤلاء الذين استدلوا بهذا الحديث –: ليست في كتاب الله أي: لم تُذكر في كتاب الله، شروط لم يأتِ ذكرها في كتاب الله، فدلَّ هذا على أنه لا يحل شيء من المعاملات إلا أن يكون مذكورًا في كتاب الله، أو في سنة رسول الله، هذا وجه الاستدلال.
«ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله؛ فهو باطل»، وعليه فكل العقود التي لم يأت ذكرها في الكتاب والسنة فهي مُحرَّمة باطلة.
«وإن كان مائة شرط» يعني: وإن كان مائة شرط أو مائة عقد.
«قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» هذا استدلالهم، وهذا أقوى ما استدلوا به.
لكن لا يصح استدلالهم بهذا الحديث على أن الأصل في المعاملات التحريم، ووجه ذلك يتبين من المناقشة.