الدليل الثاني الذي استدلوا به من السُنَّة، وهو آخر أدلتهم.
"الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمرُنا فهو رَدٌّ» أخرجه مسلم (1718) .
وجه الدلالة: أن كل عقد لم يرد في الشرع إباحته فهو مردود ممنوع، فصح بهذا الحديث بطلان كل عقد، إلا عقدًا جاء النص أو الإجماع بإباحته.
المناقشة:
نوقش هذا بعدم التسليم، فالحديث ليس فيه ما يدل على أن الأصل في المعاملات الحظر؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أخبر بأن من عمل عملًا عقدًا كان أو شرطًا، أو غير ذلك، مما يخالف عليه أمره صلى الله عليه وسلَّم فهو مردود باطل، وهذا محل اتفاق.
وإنما الكلام فيما لم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم شيء، فلا يمكن أن يُقال في مثل هذا: إنه ليس على أمر النبي صلى الله عليه وسلَّم؛ فلا يتم الاستدلال به".
واضح، أن هذا الحديث ليس دليلًا لهم على أن الأصل في المعاملات التحريم؛ لأن قوله: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا» مُنطبق في باب المعاملات على من أتى بمعاملة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلَّم، مثال ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلَّم عن بيع الغرر، فإذا جاء الإنسان بمعاملة فيها غرر، يكون قد عمل عملًا ليس عليه عمله صلى الله عليه وسلَّم؛ وبالتالي تكون هذه المعاملة مُحرَّمة.
لكن لما يأتي بمعاملة ليست مخالفة لشيء مما حرَّمه النبي صلى الله عليه وسلَّم، فإنه لا توصف هذه المعاملة عند ذلك بأنها على غير أمر النبي صلى الله عليه وسلَّم؛ فلا ينطبق عليها قوله: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا» فلا يصح الاستدلال بهذا على ما ذكروا بأن الأصل في المعاملات التحريم.
إذًا خلاصة ما تقدَّم، أن أهل العلم فيما يتعلق بأصل المعاملات لهم قولان:
- القول الأول: وهو قول جماهير علماء الأمة، المذاهب الأربعة، وحُكي الإجماع عليه أن الأصل في المعاملات ماذا؟ الحل والإباحة والإذن.
- والقول الثاني: وهو قول ابن حزم وبعض الفقهاء، أن الأصل في المعاملات التحريم، والمنع، والحظر.
وقد ذكرنا أدلة هؤلاء، وأدلة هؤلاء، وما ورد عليهما من مناقشات.
الراجح من هذين القولين هو ما ذهب إليه الجمهور من أن الأصل في المعاملات الإباحة والحِل والإذن.