"المطلب الرابع: تطبيقاتٌ على منع الميسر في المعاملات الماليَّة المعاصرة:
ثمَّة صورٌ عديدةٌ من المعاملات المعاصرة، كان سببُ تحريمها اشتمالها علىالميسر، ومِن أبرز تلك الصور: المسابقاتُ التجارية التي يكون الشراءُ شرطًا للدخول في المسابقة، فقد أفتت اللجنةُ الدائمة بتحريم ذلك حيثُ قالت في جواب سؤالٍ وردها بهذا الصدد: "إذا كان الواقع كما ذُكِر؛ فجعلُ ما يُعْطَى للمشترين باسم هدايا على هذا النِّظام حرام؛ لما فيه من المُقامرة، من أجل توزيع البضاعة وتنمية رأس المال بكثرة البيع، ولو كان ذلك بالأسعار التي تُباع بهاالبضاعة عادةً، ولما فيه من المضارَّة بالتُجَّار الآخرين، إلا إذا سلكوا نفس الطريقة، فيكون في ذلك إغراءٌ بالمقامرة من أجل رواج التجارة وزيادة الكسب، ويَتْبَع ذلك الشحناء وإيقادُ نار العداوة والبغضاء، وأكل المال بالباطل؛ إذ قد يشتري بعض الناس بمائتي ريـال، ويواتيه حظُّه في الكرت المسحوب بمسجلٍ أو مكيِّفٍ أوتلفزيون، ويشتري آخرُ بنفس القيمة، ويكون حظُّه في الكرت المسحوب ولاعةً أو زجاجة عطر قيمتها عشرة أريلة أو عشرون ريالًا مثلًا".
وقريبٌ منه ما تضمَّنه قرارُ مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الرابعة عشرة، بشأن المسابقات التجارية، حيث جاء فيه: "بطاقات (كوبونات) المسابقات التي تدخل قيمتها أوجزءٌ منها في مجموع الجوائز، لا تجوز شرعًا؛ لأنها ضربٌ من ضروب الميسر".
هذا المثال لصورة من صور الميسر في المعاملات المالية المعاصرة، وهو ما يتعلق بوسائل ترويج السلع، والترغيب في شرائها، وهذا يفعله أصحاب المتاجر الخاصة، وأصحاب المتاجر الجديدة الكبيرة، بدعوة الناس إلى المجيء للشراء، ويكون المحفِّز للشراء هو: أن كل من اشترى بمبلغ وقدره كذا، له الحق في السحب على جائزة، تكون في الغالب جائزة محفِّزَة إما سيارة، وإما غير ذلك، فيدخل الناس ويُسمون هذامسابقة، وهو في الحقيقة ليس ثمَّة ما يتسابق عليه الناس من عمل، إنما يبذل مالًا؛ لأجل أن يدخل في السحب، هذا النوع من المعاملات صدرت به الفتوى عن اللجنة الدائمة وكذلك عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي: بالتحريم؛ لما فيه من الميسر، إذ إن الذي يبذل هذا المال لشراء سلعة من السلع يستحضر الجائزة الموعود بها، فهو يبذل هذا الثمن ليدخل في السحب، وما يحصِّله من السلع بالثمن الذي بذله غير مقصودٍ له، ولا مؤثِّر في إقباله، فيكون هذا موجبًا للتورط في الميسر الذي حرمته الشريعة؛ لأنه يدفع مالًا قد يربح به شيئًا كثيرًا، وقد يذهب عليه خسارةً، هذا الذي ذكره بعض أهل العلم في وجه تحريم هذه المعاملة.
وقال آخرون: إنه إذا كان قد بذل مالًا في سلعةٍ حقيقية يقصدها وله فيها غرض، ثم أُذِن له بأن يدخل مقابل هذا الشراء في سحبٍ على جائزة فإنه يكون بين السلامة والغُنْم، السلامة بأن يُحَصِّل بثمن ما بذله ما قصده من السلع، والغُنْم بأن يُحَصِّل زيادةً على ذلك ما يكون من نتائج السحب، وبالتالي رأوا جواز مثل هذه الصورة إذا كان المشتري يقصد شراء ما بذل المال فيه، وليس غرضه من بذل هذا المال الدخول في المسابقة وجَعل الشراء وسيلةً للدخول في السحب والتنافس.
وهذا القول له حظٌّ من النظر، وقال به بعض أهل العلم، ولكن من حيث الأصل ينبغي لأصحاب المتاجر أن يُبْعِدوا عن هذه الطريق؛ لأن هذه الطريق قد تُحفِّز بعض الناس على بذل المال؛ للدخول في هذه المساهمات دون قصدٍ صحيح وحقيقي للشراء؛ إنما لأجل دخول المسابقة والسحب، فينبغي تجنب ذلك.
لكن ما يتعلق بالشخص نفسه إذا اشترى أشياء حقيقية، وأُعْطِيَ رقمًا؛ ليتم السحب عليه، فخرجت له جائزة قليلة أو كثيرة في هذا الرقم فله حق الانتفاع بها على القول الآخر، وهو الراجح.