آخر ما ذكر من الأصول التي تُبْنَى عليها المعاملات: "سد الذرائع"، وهذا أصلٌ يستند إلى قاعدة كبرى في الأحكام الشرعية، وقاعدة مفعَّلة في كثيرٍ من المسائل العلمية، وتحتاج إلى إيضاح وبيان؛ لخفاء كثيرٍ من تفاصيلها على كثيرٍ من الناس، فنقرأ هذا الأصل ونُعلِّق عليه، ثم نبيِّن صلته بما يتعلق بالمعاملات المالية.
"الأصل السابع: سد الذرائع في المعاملات.
المطلبُ الأولُ: التَّعريفُ بقاعدةِ سدِّ الذَّرائعِ.
السَدُّ في اللغة: إغلاقُ الخلل، وردم الثَّلْم، ومنع الشَّيء.
والذَّرائع في اللُّغة: جمع ذريعةٍ، وهي الوسيلة.
وأما الذَّريعة في الاصطلاح؛ فقد عرَّفها أهلُ العلم بألفاظٍ متقاربة؛ فقال ابن العربيِّ: ((كلُّ عملٍ ظاهرِ الجواز، يُتوصَّل به إلى محظور)). وعرَّفها ابنُ النَّجار، فقال: ((هي ما ظاهرُه مباحٌ، يُتوصَّل به إلى مُحَرَّم)). وعرَّفها الشوكاني فقال: ((هي المسألةُ التي ظاهرُها الإباحةُ، ويُتوصَّل بها إلى فعل محظور)).
فَسَدُّ الذرائع في الاصطلاح: هو منعُ الوسائل التي ظاهرها الإباحة، والتي يُتوصَّل بها إلى محرَّم؛ حسمًا لمادَّة الفساد، ودفعًا لها".
هذا معنى سد الذرائع، فسدُّ الذرائع هو: إغلاق كل الوسائل والطرق التي تُوْصِل إلى المحرَّم؛ ولهذا تعريفات الفقهاء دارت على هذا المعنى، وقد أجمل ذلك بقوله: (هي منعُ الوسائل التي ظاهرها الإباحة)، لكن الإشكال ليس في الوسيلة، إنما فيما تُفْضِي إليه هذه الوسيلة التي ظاهرها الإباحة وهو أنها توصل إلى محرَّم.
والعلة في المنع: حسم مادة الفساد، ودفع أسباب وقوعه.
ولْيُعْلَم أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، بل تحتاج إلى تمييز وإيضاح فيما يتعلق بـ: ما الذي يُسد من الذرائع؟ وما الذي لا يُسد؟ وما الذي وقع فيه خلاف؟ وهذا ما يتناوله الآن في المطلب الثاني: "تحرير محل النزاع في قاعدة سد الذرائع"، يعني هناك ما هو متفق على وجوب سده من الذرائع، وهناك ما هو متفق على أنه لا يجب سده من الذرائع، وهناك بين هذين الطرفين ذرائع اختلف العلماء في حكم سدها هل يجب سدها أو لا؟