"القسم الثَّاني: ما أجمعت الأمة على أنَّه ذريعةٌ، لكن لا يجب سدُّه؛ كالمنع من زرع العنب؛ لئلا يُتَّخذ خمرًا، وكالمنع من المجاورة في البيوت؛ خشية الزِّنا".
هذا صورة من صور ما لا يجب سده من الذرائع: الخمر يُتخذ من العنب، فزراعة العنب ذريعة إلى صناعة الخمر، ومع هذا الإجماع منعقد على أنه لا يُمنع أحدٌ من زراعة العنب، لكن يمنع مَن يبيع العنب لمن يعلم أنه سيستعمله في صناعة الخمر، فهذا تقييد وحصر، لكن لا يُقال: لا يجوز زراعة العنب؛ لأنه سيشتريه من يستعمله في صناعة الخمر، فينبغي التنبُّه إلى هذا، فهذا مما لا يسد من الذرائع بالإجماع، لماذا؟ لأنه يترتب على السد من المفاسد أكبر مما يُؤمَّل إدراكه من المصالح، والشريعة دائرة على تحصيل المصالح ودفع المفاسد، فإذا تزاحمت المفاسد والمصالح، عند ذلك يُنظر إلى أيهما أكثر؟ فإن كانت الأكثر هي المفاسد، مُنِع، وإن كان الأكثر هي المصالح، أُذِن، ولو كان ثمَّة مفاسد تحصل بما أذنت فيه الشريعة؛ لرجحان وكثرة المصالح المترتبة على العمل أو الفعل.