"بَابُ الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا"
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لَا بَأْسَ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ»".
قوله رحمه الله:"بَابُ الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا"، يعني أثر ذلك في صِيامه.
وذكر رحمه الله في ذلك جملة من الآثار.
قوله رحمه الله: "قَالَ عَطَاءٌ: إِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لَا بَأْسَ" وهذا ليس نسيانًا، إنما هذا إكراه، إذا دخل من غير اختيار إلى جوفه شيء؛ فيقول عطاء: لا بأس، أي: لا يؤثر في صومه.
قوله رحمه الله: "إِنْ لَمْ يَمْلِكْ" أي: إذا لم يتمكن من رده.
قوله رحمه الله: "وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ" وهذا يفيد أن الحسن يرى الفِطر بكل ما يصل إلى الجوف ولو لم يكن نافعًا، لكن إن كان غالبًا، يعني دخل من غير اختيار، فلا شيء عليه.
قوله رحمه الله: "وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ" وهذا ما يتصل بالنسيان.
ويُفيد قول الحسن ومجاهد أنه لا فرق بين المُفطرات في أن النسيان عذر يُسقط المؤاخذة. ثم ذكر في ذلك حديثًا، وهو ما رواه البخاري أيضًا ومسلم من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».
قوله صلى الله عليه وسلم: «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» يدل على أن الصيام باقٍ، فالصوم لم ينتقد بالأكل والشرب لكونه ناسيًا.
قوله رحمه الله: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» أي: أن الله تعالى عفا عن هذا الأكل والشرب، وهذا ما يفيده من إضافة الأكل والشرب إلى الله، «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» أي: أنه معفوٌّ عنه لعدم اختياره.
فدلالة الحديث على أنه إذا أكل أو شرب ناسيًا لا يفسد صومه من جهتين:
الجهة الأولى: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».
والجهة الثانية: «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء رحمهم الله، ذهبوا إلى هذا المعنى، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وذهب الإمام مالك إلى أن صومه يفسد ولو أكل ناسيًا، لكن لا إثم عليه، يُوافق الجمهور في أنه لا إثم عليه، لكن يرى أن الصوم قد فسد وعليه أن يقضي مكانه يومًا آخر.
والذي عليه الجمهور أقرب إلى الصواب، وهو أن كل المفطرات بلا استثناء إذا وقعت من الصائم حال نسيان، أو حال جهل، أو حال إكراه، فإنه لا يؤثر ذلك في صحة صومه، كل المفطرات إذا وقعت حال النسيان، حال الجهل، حال الإكراه فإنه لا يؤثر ذلك في صحة صومه، ولا فرق في ذلك بين الجِماع وبين الأكل وبين الشرب وبين غيرها من المُفطرات؛ لعموم قوله: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ»، طبعًا ما قال: الجماع؛ لأن الجماع نادر، لكن لو وقع فإنه يأخذ حكم الأكل والشرب؛ لأنه يشارك الأكل والشرب في المعنى الجامع «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».