الإحرام له ممنوعات، وهناك في المحظورات نقطة لا بد أن نقف عندها ابتداء، وهي ما الذي يُمنَع منه المحرم؟ هل هناك ما يمنع منه المحرم؟
نعم، هناك ما يمنع منه المحرم، ويمكن أن نصنفه في الجملة إلى صنفين:
الصنف الأول: ما يمنع منه المحرم وغير المحرم، يعني هي الممنوعات العامة التي يُمنَع منها الإنسان، ويجب عليه أن يمتنع منها في كل حال، وفي كل زمان؛ محرمًا كان أو غير محرم، ولهذا يقول الله تعالى تأكيدًا لهذا المعنى، وأنه ينبغي أن يحتاط الإنسان في إحرامه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ البقرة: 197
أسأل: هل الفسوق مما أذن الله تعالى به لغير المحرم؟ الجواب: لا، الفسوق اسم يندرج تحته كل مخالفة لأمر الله تعالى، أو انتهاك لما أمرنا باجتنابه وزجر عنه.
إذن أنت مأمور بأن تجتنب في إحرامك ما حرمه الله تعالى عليك في غير الإحرام؛ من الغيبة، والنميمة، وما يتصل بكل المخالفات الأخرى، من ترك الواجبات، وانتهاك المحرمات التي حرمها الله تعالى على عباده. هذا معنى عام يجب الاحتياط منه، والبعد عنه.
الأمر الثاني هو ممنوعات تتعلق بالإحرام خصوصًا.
لنا أن نقول: لماذا لم يذكر العلماء رحمهم الله هذا المعنى العام؟
لم يذكروه لأنه مستصحَب ومعلوم وواضح، وقد نص عليه بعضهم فقال: إنه يجب على المحرم أن يقوم بالواجبات، ويترك المحرمات، فذكر هذا بعض أهل العلم.
لكن غالب من يذكر محظورات الإحرام يذكر المحظورات الممنوعات المتصلة بالإحرام على وجه الخصوص، والأصل في هذه الممنوعات هو الآية التي ذكرناها في قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ﴾ يعني دخل والتزم أحكام الحج ﴿الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ البقرة: 197، وهذه أصول يرجع إليها ما يُمنَع منه المحرم في إحرامه.
أضف إلى هذه المذكورات الثلاثة في هذه الآية ما ذكره الله تعالى في قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ البقرة: 196، هذه الآية المباركة ذكر الله جل وعلا فيها جملة من الأحكام المتصلة بما يُمنَع منه المحرم، فذكر فيها منع حلاق الرأس، والحلاق هو إزالة الشعر بالموس، أو ما يعرف الآن بالموس، وإلا هو في اللغة الفصحى: بالموسى.
إزالة الشعر بالقص الكلي، والإزالة الكلية بالموسى، هذه ممنوع منها المحرم؛ لأن المحرم مطلوب منه أن يلاحظ هذا النسك بالتقرب إلى الله جل وعلا في نهاية عمله، سواء كان حجًّا أو عمرة بقص أو تقصير، قال الله تعالى: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ﴾الفتح: 27، فجعل الله تعالى من صفات الداخلين في هذا النسك المتعبدين له بحج أو عمرة الحلاق والتقصير، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ» أخرجه البخاري (1727)، ومسلم (1301).. فلذلك كان مما يُمنَع منه المحرمُ حلاقُ الرأس.