يسأل كثير من الحجاج عن ترك طواف الوداع لأجل خوف الزحام.
الحقيقة أن الزحام على درجات ومراتب، وأثره في الناس ليس على درجة واحدة، الأصل أن يأتي بطواف الوداع كل حاج، لكن من كان يخشى ضررًا من الزحام لمرضه، ولا يتمكن من أن يطوف بعيدًا عن الناس، فإنه يجوز له ترك الطواف للعذر؛ لأن الله تعالى قد قال في أصل فرض الحج: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ آل عمران: 97.
وقد شكت أم سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها شاكية، وأنها مريضة، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تطوف بالبيت طواف الوداع من وراء الناس راكبة أخرجه البخاري (464)، ومسلم (1276). ، فلم يسقط عنها لكونها تستطيع أن تأتي به على هذه الصفة.
لكن من لم يستطع الطواف بالبيت طواف الوداع لا راكبًا ولا ماشيًا ولا محمولًا بسبب مرضه؛ فإنه يسقط عنه الطواف، ومثله من كان يخشى أن تفوته الرحلة؛ لكونه لن يتمكن من المجيء إلى البيت في وقت متسع.
وهذا يحصل أحيانًا؛ حيث إن الناس يتوافدون إلى البيت الحرام، فتغلق الأبواب، ولا يتمكن من الدخول، وإن تأخر فاتته رحلته، أو ترتب على هذا نوع من المضرة، ففي مثل هذا لا بأس بأن ينصرف، ويسقط عنه طواف الوداع؛ لأجل حاجته إلى الانصراف، ولتضرره بالبقاء.
لكن أنبه إلى مسألة مهمة يغفل عنها كثير من الناس؛ أن الذي يجوز تركه للضرر هو طواف الوداع، أما طواف الحج فلا يجوز لأحد أن يتركه؛ لأن تركه لا يتم به الحج، وبالتالي إخواننا وأخواتنا الذين يؤخرون طواف الإفاضة إلى وقت خروجهم يجب أن يبقوا حتى يأتوا بهذا الطواف؛ لأنه لا يتم الحج إلا به؛ قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ الحج: 29.
فلا يتم الحج إلا بالطواف بالبيت العتيق، وبالتالي من لم يطف طواف الإفاضة، فإنه يبقى حتى يطوف طواف الإفاضة، ولو أنه قُدر أن أحدًا اضطر إلى الخروج، أو احتاج إلى الخروج حاجة ماسة، فله أن يخرج، لكن يبقى عليه من حجه طواف الإفاضة الذي يحصل به كمال التحلل؛ فإن للحج تحللين: التحلل الأول: تحلل برمي جمرة العقبة، والتحلل الثاني: يكون بفعل بقية الأنساك، ومنه طواف الإفاضة، وبه يحصل التحلل الثاني.