"أما بعد: فالحج والعمرة من أجلِّ العبادات، وأعظم القربات؛ فقد جعل الله الحج ركنًا من أركان الإسلام، ودعامةً من دعائمه العظام، ورتَّب على الحج والعمرة منافع كثيرةً، وأجورًا عظيمة".
بيَّن في بداية مقدمته أن الحج والعمرة هما مقصود مُؤلَّفه؛ حيث قال: فإن قصد بيت الله "من أجلِّ العبادات، وأعظم القربات"، وبه يُعلم أن هذا الكتاب يتعلق ببيان أحكام هذين العملين الجليلين، وبيان فضائلهما، وبيان ما يتصل بهما من مسائل.
والحج والعمرة من أجلِّ العبادات، ومنزلتهما في دين الإسلام عاليةٌ سامية؛ فقد جعل الله تعالى الحج ركنًا من أركان الإسلام، ودعامة من دعائمه التي يُبنى عليها؛ كما في الصحيحين البخاري (8)، ومسلم (16) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وهذا ركن، «وَإِقَامِ الصَّلَاةِ» وهذا هو الركن الثاني، «وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ» وهذا هو الركن الثالث، «وَالْحَجِّ» وهذا هو الركن الرابع، «وَصَوْمِ رَمَضَانَ» وهذا هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وفي هذا تقديم ذكر الحج على الصوم، والمسألة قريبة؛ فإن الترغيب جاء على نحوين منها؛ من الأحاديث ما قدم ذكر الحج على الصوم، ومنها ما قدم ذكر الصوم على الحج، والأمر في ذلك قريب.
والحج يشمل من حيث العموم قصد بيت الله عز وجل بالنُّسك سواءً كان حجًّا أو كان عمرةً؛ فإن العمرة هي من الحج؛ لقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخرجه مسلم (1218) وهذا يدل على أن العمرة داخلة في الحج؛ ولهذا سماها كثيرٌ من أهل العلم بالحج الأصغر، فالعمرة نوعٌ من الحج؛ لأن الحج قَصْدُ البيت، والعمرة يحصل فيها قصد البيت، لكنه على وجهٍ دون الحج الذي يكون في زمانٍ مؤقت، وفي مكانٍ محدد، وبمناسك وأعمالٍ معينة، لكن ثمت اشتراكًا بينهما من حيث إن الحج والعمرة كِلاهما قصد هذه البقعة المباركة؛ تعظيمًا لله عز وجل، ويشتركان في أهم الأعمال وهو الطواف بالبيت، فالعمرة فيها طواف، وكذلك الحج فيه طواف، وهو المقصود الأعظم من المجيءإلى البيت الحرام؛ لذلك قال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ ثم ماذا؟ ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ الحج:29
فالطواف بالبيت من أعظم المقاصد، بل هو أعظم أعمال الحج والعمرة؛ ولذلك كانت العمرة حجًّا أصغر تدخل في عموم ما جاء من فضائل الحج، وسيأتي بيان حكم الحج والعمرة في كلام المؤلف وفقه الله ورحمه.