أولًا: معنى الإحرام، الإحرام هو: الدخول في الحج أو العمرة.
الإحرام في اللغة هو: الدخول في التحريم، فتقول: أحرم الرجل أي: دخل فيما يحرُم عليه، كما تقول: أتهم، وأنجد، وأسهل، أي: دخل في تهامة، أو في نجدٍ، أو في سهل.
فالإحرام هو: الدخول في التحريم؛ ولذلك تُسمَّى التكبيرة التي يدخل فيها المؤمن في الصلاة تكبيرة الإحرام؛ لأنه يدخل في حرمة الصلاة وما يجب عليه أن يجتنبه في صلاته من حركةٍ وقولٍ وغير ذلك مما يمتنع منه المصلي.
أما ما يتعلق بالإحرام في الحج والعمرة، فالإحرام هو: الدخول في النُسك؛ الدخول في الحج أو في العمرة.
هذا معنى الإحرام الذي يكون في الحج والعمرة: يدخل الإنسان فيما يكون من تحريمٍ بسبب الحج أو العمرة، فهو: دخولٌ فيما يمتنع منه من محظورات الإحرام، دخولٌ فيما يلزمه أن يقوم به من أعمال النُسك؛ ولذلك يسمى التزام ذلك إحرامًا.
والإحرام عملٌ قلبي، يلتزم فيه الإنسان بما يجب عليه من أعمال النسك سواءً كان ذلك فيما يمتنع منه، أو فيما يأتي به.
وبه يُعْلَم أنَّ الإحرام لا صلة له بما يكون عليه الإنسان من لِباس ابتداءً، بل هو عملٌ قلبي يتطلب بعد الالتزام به أعمالًا تتعلق بلباسه، تتعلق بما يجتنب من محظورات سيأتي بيانها وإيضاحها.
إذًا ما يتصوره كثيرٌ من الناس من أنَّ الإحرام هو لُبْسُ الإزار والرداء؛ هذا من الغلط الشائع؛ فإنَّ لُبس الإزار والرداء ليس إحرامًا، بل إنَّ الإزار والرداء نوعٌ من اللباس الذي كان الناس يلبسونه زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، في أمصارهم ومدنهم، وأماكن نزولهم، فلم يكونوا يعتبرون أنفسهم داخلين في النُسك بمجرد لبسهم الإزار والرداء، بل الإحرام: عملٌ قلبي يَعْزِمُ فيه الإنسان على التزام ما يجب التزامه من اجتناب محظورات الإحرام وفعل أعمال الحج والعمرة.
وقد قال بعض العلماء في تعريف الإحرام بأنه: نية الدخول في النُّسُك؛ وذلك ليُمَيِّز بين قصد النسك وبين التزام أحكامه.
وهذا نوع مِن التفريق الذي يَرِد عليه بعض الإشكال.
فالصواب في تعريف الإحرام بأنه: الدخول في النُسك، الدخول في حجٍ أو في عمرة، وليس مجرد لبس إزار ورداء؛ لأن لبس الإزار والرداء يكون قبل دخول الإحرام، ويكون في الإحرام وفي غيره؛ ولهذا لما جاء الرجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني قَدْ لَبَّيْتُ بالعمرة وأنا على هذه الحال -وكان قد لبس جُبَّةً وتطيَّب بالطيب-. فلم يكن في الزمن السابق نهيٌ عن لبس اللباس المعتاد في الحج والعمرة، إنما كان هذا مما بيَّنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما الزمن السابق فكان الناس يُلَبُّون بثيابهم؛ ولهذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم أنه قال: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، يُلَبِّي» أخرجه مسلم بنحوه (166).
«يُلَبِّي»، أي: يقول: "لبيك اللهم لبيك"، قاصدًا للبيت.
فلُبْسُ الإزار والرداء ليس هو الإحرام، إنما الإحرام هو: ما يقوم في القلب من التزام أحكام الحج والعمرة والدخول في مناسكهما وأعمالهما.
وبه يتبيَّن الفرق بين ما يتعلق بلبس الإزار والرداء وبين الإحرام، فلا ارتباط بينهما، فقد يحرم الإنسان وعليه ثيابه، ويكون بذلك مُحْرِمًا.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ» أخرجه البخاري (1843)، ومسلم (1179). .
فيُحْرِم وعليه سروال.
فليس الإحرام متصلًا بالثياب ونوعها، إنما الإحرام عقدُ القلب بالدخول في أحكام النسك، ثم إذا دخل والتزم النسك وجبت عليه واجبات؛ منها: اجتناب اللباس المعتاد كما سيأتي بيانه.
هذا ما يتعلق بمعنى الإحرام.