المبحث الرابع:
"محظورات الإحرام وما يترتب عليها
أولًا: محظورات الإحرام.
محظورات الإحرام هي: أفعالٌ يُمْنَعُ منها المحرم زمن إحرامه، وهي على ثلاثة أقسام.
محظورات الإحرام هي: الممنوعات التي يُمْنَع منها مَنْ أحرم بحجٍّ أو عمرة، وهي مشتركة بين الحج والعمرة، فلا فرق في المحظورات بين الحج والعمرة من حيث الأصل، فكل ما يُمْنَع منه الحاج يُمْنَع منه المعتمر.
والأصل في المحظورات: قول الله -جلَّ وعلا-: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة:197].
فإنَّ الله تعالى بيَّن أنَّ الإحرام بالحج يترتب عليه ممنوعات، ذكرها إجمالًا في قوله: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة:197].
ويدل له أيضًا قوله -جلَّ وعلا-: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة:196].
فدلَّ ذلك على: أنَّ المحرم بحجٍّ أو عمرة ممنوعٌ من حلق شعر رأسه، حتى يَفْرَغ مِن حجه وعمرته.
فدل هذا على: أنَّ للإحرام ممنوعات، سواءً كان ذلك في حجٍّ أو في عمرة.
وقد جاء بيانها على وجه التفصيل فيما جاء عن النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، وإن كان قد أشار إليها إجمالًا أيضًا فيما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أخرجه البخاري (1521)، ومسلم (1350) . هذا فيه إشارةٌ إجماليةٌ إلى أنَّ الحج فيه ممنوعات، وهذه الممنوعات ترجع إلى الرفث والفسق، وسيأتي بيانها في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والممنوعات متنوعة، فما تقدم مِن الآيات والأحاديث هي أصولٌ جامعة في بيان ما يُمْنع منه المحرم، فمَن أحرم بحجٍّ أو عمرة فلا يَرْفُث عند النساء، ولا يفسُق في إتيان ما نهاه الله تعالى عنه في حال إحرامه بالحج أو العمرة مِن قتل الصيد أو أخذ الشعر أو غير ذلك مما سيأتي تفصيله وبيانه.
ولْيُعْلَمْ أنَّ كل معصيةٍ من المعاصي هي من محظورات الإحرام، أي: مما يُمْنَعُ منه المحرم؛ لأن الإحرام حالٌ تقتضي الصيانة الزائدة على الحال المعتادة؛ لأنه يُمْنَع من أشياء أكثر مما يُمْنَع منه في العادة.
فإنَّ المحرَّمات من النظر المحرَّم والكذب والغيبة والنميمة محرَّمة في كل الوقت، وسبب تحريمها: مَنْعُ الله الناس منها، وفي الإحرام يتأكد هذا التحريم، يتأكد منعه من هذه الأمور؛ لأنه ثمَّة حالٌ تقتضي منعًا زائدًا عن المنع المعتاد؛ ولهذا عَدَّ جماعةٌ من أهل العلم جميع المعاصي من محظورات الإحرام. وبالغ بعضهم فقال: إنها مما يُبْطِل الحج.
والصواب: أنها لا تُبْطل الحج لكنها تُنْقِص أجره.
وأما محظورات الإحرام فهي أمورٌ مباحةٌ في الأصل يُمْنَعُ منها مَن دخل في حجٍّ أو عمرة، وهي من حيث التصنيف يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
1) محظورات يشترك فيها الرجال والنساء.
2) ومحظورات تخص الرجال.
3) ومحظورات تخص النساء.
ومجموع هذه المحظورات عشرة محظوراتٍ.