"ثانيًا: المبيت بمزدلفة، يدفع الحاج من عرفة إلى مزدلفة بعد غروب الشمس وذهاب الصفرة قليلًا، ومزدلفة هي المشعر الحرام، والمبيت بها ليلة النحر واجبٌ من واجبات الحج".
هذا ثاني الأعمال التي تكون من الحاج في ثاني أيام الحج وهو يوم عرفة، وهو الدفع من عرفة إلى مزدلفة، وقد ذكره الله تعالى فيما ذكره من أعمال الحج في قوله: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾[البقرة: 198].
والمشعر الحرام هو: مزدلفة، وسماها الله تعالى بالمشعر الحرام؛ لأنها أول المنازل التي ينزلها الحاج في الحرم، فإن مزدلفة من الحرم خلافًا لعرفة فإنها خارج الحرم؛ ولذلك تُسمى المشعر الحلال، عرفة تُسمى المشعر الحلال؛ لأنها في الحل، فليست داخل حدود الحرم بخلاف مزدلفة فإنها داخل حدود الحرم؛ ولذلك سُميت بالمشعر الحرام.
ومزدلفة سُمِّيت بهذا الاسم ولها أسماء أخرى فهي: مزدلفة، وهي: جمع، وهي: المشعر الحرام، أما تسميتها بالمشعر الحرام فقد تقدم بيان سببه، وأما تسميتها بمزدلفة فلأن النازل فيها من الحجاج يقترب من البيت؛ إذ إنه ينزل فيها مقتربًا إلى البيت، وقد كان في الحل، فسُمِّيت مزدلفة لأجل هذا المعنى، وقِيل في سبب تسميتها جمعًا أنه يجتمع فيها الناس؛ وذلك أنه في الجاهلية كانت قريش لا تنزل عرفة، بل تبقى في مزدلفة فإذا جاء يوم التاسع جاءت ونزلت في المزدلفة ولم تخرج إلى عرفة ما بقيت الناس؛ زاعمين أن خروجهم من الحرم تعظيمٌ لغيره فيقول: لا نعظم غير الحرم. وهذا من المحدثات التي فعلها هؤلاء وغيَّروا بها ما كان عليه حج إبراهيم عليه السلام، فكان أهل مكة يحتبسون في مزدلفة، ولا يخرجون مع الناس إلى عرفة، فإذا رجع الناس من عرفة بعد وقوفهم اجتمعوا في مزدلفة مع أهل مكة فسُميت جمعًا؛ لأن الحجاج يجتمعون فيها، هذا وجه تسميتها جمعًا.
والمجيء إلى عرفة من شعائر الحج ومناسكه، والمجيء إلى مزدلفة من شعائر الحج ومناسكه؛ لقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾، وبه يتبين أن المقصود من المجيء إلى مزدلفة الاشتغال بذكر الله عز وجل؛ لأن الله لم يذكر فيها شيئًا سوى الذكر؛ فقال: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾، وذِكْر الله عند المشعر الحرام يكون بالصلاة فيها صلاة المغرب والعشاء والفجر، ويكون بكثرة ذكر الله ودعائه وتهليله وتكبيره، كل هذا مما يتحقق به ذكر الله تعالى عند المشعر الحرام.
