"ثم يفيض إلى منى قبل أن تطلع الشمس، ويجوز للضعفة ومَن في حكمهم الدفع من مزدلفة بعد منتصف ليلة النحر".
وقت الوقوف بمزدلفة يبدأ من غروب شمس يوم عرفة، وهذا محل اتفاق؛ أن وقت الوقوف بمزدلفة من غروب شمس يوم عرفة، وأما وقت جواز الانصراف منها فللعلماء فيه أقوال:
· القول الأول: أنه لا ينصرف قبل الفجر إلا مَن كان من الضعفاء.
· والقول الثاني: أنه يجوز الانصراف بعد منتصف الليل.
ولا شك أنَّ السنة في حق الأقوياء أَنْ يبقوا حتى يصلوا الفجر ويسفر جدًّا قبل أن تطلع الشمس، يدفعون من مزدلفة كما فعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أما مَن كان من الضعفاء ففي وقت انصرافه ثلاثة أقوال:
· القول الأول: أنه مِن منتصف الليل.
· والوقت الثاني: أنه بعد ثلثي الليل ومغيب القمر.
· والقول الثالث: أنه بعد الفجر.
والصواب من هذه الأقوال: أن وقت الانصراف بعد منتصف الليل، وإلى هذا ذهب الجمهور.
إذًا عرفنا الآن أن السنة في حق الأقوياء أن يبقوا حتى يسفر جدًّا، وينصرفون قبل طلوع الشمس، الضعفاء أذن لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدفع ليلًا، وهذا محل اتفاق، لكنهم اختلفوا في وقت جواز الدفع:
- فقال بعض أهل العلم: إن وقت جواز الدفع من منتصف الليل.
- وقال آخرون: إن وقت جواز الدفع بعد مغيب القمر.
- وأما من قال: إنه يكفي للوقوف أدنى مرور؛ فهؤلاء لم يوقِّتوا بوقت، فيرون جواز الدفع بمجرد النزول وهو مذهب الحنفية والمالكية، فهؤلاء خارجون عما نحن فيه؛ لأنهم يرون أن الحاج لو مرَّ بها أجزأه.
- وقال بعضهم: القدر الواجب هو قدر إنزال الرحل، وهذا للضعيف والقوي على حدٍّ سواء في قولهم، وهذا مذهب الحنفية والمالكية.
- أما من يرى أنه لابد أن يبيت؛ أن المبيت واجب، فالقدر الواجب اختلفوا فيه؛ فمنهم من قال: إلى منتصف الليل. ومنهم من قال: إلى ثلثي الليل بالنسبة للضعفاء، وأما الأقوياء فإلى الفجر.
والراجح: أن الضعفاء يجوز لهم الانصراف من منتصف الليل؛ لأن تحديد ذلك بمغيب القمر ليس ظاهرًا، ما جاء في حديث أسماء -رضي الله تعالى عنها- ليس صريحًا في أنه لا يجوز الدفع قبل ذلك، إنما أخبرت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أذن للظعن" أخرجه البخاري (1679)، ومسلم (1291) ؛ فهل هو أذن للظعن في وقت الدفع الذي اختارته أو في الدفع ليلًا؟ يحتمل هذا وذاك، ومعلوم من القواعد أنَّ الدليل إذا ورد عليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فما يرد عليه الاحتمال لا يستقيم به الاستدلال، هذا ما يتصل بوقت الدفع؛ فالراجح من هذه الأقوال فيما يتصل بوقت الدفع من مزدلفة أنه من منتصف الليل، والعلة في هذا أنه يكون قد مضى أكثر الليل؛ فمن جاء إلى مزدلفة بعد منتصف الليل جاز له الدفع؛ لأنه وقت جواز الدفع وإنما يبقى إلى منتصف الليل من جاء في أولها، ويُسن لمن دفع في الليل أن يدعو قبل انصرافه كما كان يفعل عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- فيمن يقدمه من ضعفة أهله؛ كان يأمرهم بأن يقفوا للدعاء والذكر، ثم ينصرفوا ولو كان ذلك ليلًا، هذا ما يتصل بمسألة الدفع من مزدلفة.
ولو قيل: ما الدليل على ذلك؛ أي: على جواز الدفع ليلًا؟
الدليل: ترخيص النبي -صلى الله عليه وسلم- للضعفة، وقد جاء ذلك في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "نَزَلْنَا المُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةُ، أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاس" أي: زحامهم "وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً" أي: ثقيلة رضي الله تعالى عنها "فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ" أخرجه البخاري (1681)، ومسلم (1290) .
وجاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّقَلِ - أَوْ قَالَ فِي الضَّعَفَةِ - مِنْ جَمْعٍ بِلَيْل" أخرجه البخاري (1677)، ومسلم (1293) .