أما الحلق أو التقصير والطواف والسعي؛ فيجوز تأخيرها إلى ما بعد أيام التشريق؛ إذ لا حد لنهاية وقتها على الصحيح من أقوال أهل العلم، والمبادرة بها أفضل".
-صلى الله عليه وسلم- بعد أن رمى جمرة العقبة اتجه إلى المنحر، فنحر هديه -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكان قد ساق مائةً من الإبل، نحر بيده -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا وستين، وأمر عليًّا أن ينحر ما بقي من هديه -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم بعد أن فرغ -صلى الله عليه وآله وسلم- من النحر أمر بأن تؤخذ بضعة أي؛ قطعة من كل ما نحره من هديه، فأكل منه وشرب من مرقه؛ امتثالًا لِمَا أمر الله تعالى به من الهدي: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ الحج:36، ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ الحج:28، وبهذا حقق الأكل من جميعها حيث شرب من مرقها الذي هو حصيلة مجموعها.
ثم إنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دعا بالحلَّاق، فحلق رأسه -صلى الله عليه وآله وسلم-، وتطيب، وأفاض إلى البيت؛ لطواف الإفاضة، فلما أتى البيت طاف سبعًا مبتدئًا بالحجر الأسود ومنتهيًا به، ولم يكن في هذا الطواف رَمَلٌ ولا اضطباع؛ لأنه قد تحلل -صلى الله عليه وآله وسلم- كما قالت عائشة: "كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ" أخرجه البخاري (1539)، ومسلم (1189) .
ثم بعد أن فرغ -صلوات الله وسلامه عليه- من طواف الإفاضة صلى ركعتين، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وقد أدركه الظهر في مكة، فصلى الظهر بمكة -صلى الله عليه وسلم- ثم عاد إلى مِنى، ووجد أصحابه لم يصلوا الظهر، فصلى بهم -صلى الله عليه وسلم-، فكانت له نفلًا، ولهم فرضًا، صلى بهم-صلى الله عليه وسلم- الظهر ثم مكث -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بقية يومه، وسائر أيام التشريق في مِنى لم ينزل منها -صلى الله عليه وسلم- إلى خارج مِنى، بل بقي فيها -صلى الله عليه وسلم-؛ لإقامة ذكر الله كما أمر الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ البقرة:203.
وبهذا يتبين أن الأعمال التي تكون يوم النحر بعد الدفع من مزدلفة أربعة أعمال:
الأول: رمي الجمار.
والثاني: نحر الهدي.
والثالث: الحِلاق أو التقصير.
والرابع: الطواف.
وأما السعي فإنه إن كان لم يسع من المفردين والقارنين عند مجيئه فإنه يسعى، وأما إن كان قد سعى مع طواف قدومه فإنه لا سعي عليه، وأما إن كان متمتعًا فإن عليه سعيًا آخر.
وفيما يتصل بترتيب هذه الأعمال؛ السُّنَّة في ترتيبها على هذا النحو الذي ذكر الصحابة في وصف عمله -صلى الله عليه وسلم-، وما كان من شأنه في يوم النحر؛ يبدأ بالرمي، ثم بعد ذلك بالنحر، ثم بالحِلاق أو التقصير، ثم بالطواف، ثم بالسعي.