أما ما يتصل بنهايات وقت هذه الأعمال، فلا خلاف بين العلماء أن رمي جمرة العقبة يكون يوم النحر، وأن من رمى الجمرة قبل غروب الشمس يوم النحر، فرميه صحيحٌ مجزئ، ليس ثمت خلاف في أن الرمي يوم النحر قبل غروب الشمس رميٌ صحيحٌ مجزئ.
واختلفوا في الرمي بعد ذلك أي؛ بعد غروب شمس يوم النحر:
فمن العلماء من قال: يجوز أن يرمي جمرة العقبة ليلًا؛ أي؛ ليلة اليوم الحادي عشر، بعد غروب شمس يوم النحر.
ومنهم من قال: إنه يرميها قضاءً؛ كما هو مذهب الحنفية؛ لأن وقت الرمي يمتد عند أبي حنيفة إلى غروب شمس يوم النحر، فيكون رميه ليلًا قضاءً.
وأما الشافعية فيرون أنه يجوز أن يرميها ليلًا، وتكون أداءً؛ لأن الوقت لا ينتهي إلا بطلوع فجر يوم الحادي عشر.
هذا ما يتصل بالقول الأول في وقت رمي جمرة العقبة أنه يجوز رميها بعد غروب شمس يوم النحر يوم العاشر أداءً على مذهب الشافعية؛ لأن الوقت ينتهي بطلوع فجر يوم الحادي عشر، وقضاءً على مذهب الحنفية؛ لأنه ينتهي بغروب الشمس، لكن يجوز رميها ليلًا.
والقول الثاني: أنه يفوت وقت رمي جمرة العقبة بغروب الشمس يوم النحر، فيجب عليه أن يرميها قضاءً يوم الحادي عشر، وبهذا قالت المالكية والحنابلة.
وقد استدل كل فريقٍ بأدلة.
وأصوب الأقوال ما ذهب إليه الإمام الشافعي من جواز الرمي ليلًا، ودليل ذلك ما رواه البخاري من حديث عكرمة عن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، فَيَقُولُ: «لاَ حَرَجَ» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: «اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ» وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: «لاَ حَرَجَ» أخرجه البخاري (1735) وهذا هو الشاهد، "رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَا حَرَجَ»، والمساء يصدق على جزءٍ من الليل، فلما صح الرمي في جزءٍ من الليل دل ذلك على أن الليل كله محلٌّ للرمي.
وعلى هذا فإن وقت رمي جمرة العقبة يمتد إلى طلوع فجر يوم الحادي عشر؛ فيجوز تأخير رمي جمرة العقبة إلى الليل، فإذا طلع فجر يوم الحادي عشر ولم يَرْمِ، فإنه يجمع رميها مع رمي اليوم الحادي عشر بعد الزوال.