شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1250

التاريخ : 2018-09-18 07:47:59


"فصل: ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق".

هذا المقطع من كلام المؤلف –رحمه الله- قرر فيه عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن العظيم، فالقرآن هو أعظم كتاب أنزله الله تعالى على الناس، لم يُنزل كتابا مثله ولا أوحى إلى رسول بنظيره، بل هذا الكتاب مهيمن على كل كتاب.

  

أنهم يؤمنون بأن القرآن كتاب الله –عز وجل- وأنه كلامه الذي تكلم به سبحانه وبحمده، أنزله على رسوله وأنه غير مخلوق.

  

هذه العقيدة التي قررها المؤلف –رحمه الله- دل عليها القرآن العظيم، كما دلت عليها سنة سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك أجمع عليها الصحابة رضي الله تعالى عنهم وتواطأ على ذلك علماء الأمة، فمذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان من الأئمة الأربعة وغيرهم أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وهذه كلها لبيان ضلال من ضل في هذه المسألة وهي ما يتعلق بالقرآن العظيم. فإن كل ذلك مما وقع فيه أنواع من الضلال كما سيتبين مما يسوقه المؤلف –رحمه الله- من أوجه الانحراف والضلال في صفة كلام الله –عز وجل- وفي القرآن على وجه الخصوص.

  

أخبر الله تعالى في كتابه أنه جل في علاه يقول، وأنه أصدق القائلين، وأنه سبحانه وبحمده كلم رسله، وخص بعضهم بنوع من الكلام ميزه به، فإثبات صفة الكلام لله –عز وجل- دل عليها القرآن والسنة وأجمع عليها سلف الأمة.

ومما يتعلق بهذه الصفة الإيمان بأن القرآن كلام الله –عز وجل- كما قال تعالى في محكم كتابه ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ[التوبة: 6] وكذلك قال تعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ[النساء: 46] والمقصود بالكلم هنا ما تكلم به الله جل في علاه سبحانه وبحمده، فالكلام ثابت له جل في علاه بدلالة القرآن وبدلالة السنة والإضافة إلى الله في هذا السياق هي إضافة صفات، فالكلام مضاف إلى الله –عز وجل- إضافة صفة وهذا هو الأصل في الإضافات إلا أن يدل دليل على أن الإضافة إضافة تشريف أو إضافة خلق أو نحو ذلك.

  

والمقصود أن دلالة القرآن ودلالة السنة، على أن القرآن كلام الله منزل أي أنزله الله تعالى على رسوله –صلى الله عليه وسلم- وقد أخبر الله تعالى بتنزيل القرآن في مواضع عديدة من ذلك قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا[الكهف: 1] وكذلك قوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا[الفرقان: 1] وكقوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا[النحل: 102] والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى؛ دالة على أن القرآن منزل من الله –عز وجل- وأنه كلامه سبحانه وبحمده، وأنه غير مخلوق كما يزعمه من يزعمه ممن ضل وانحرف في هذه الصفة العظيمة من صفات الله تعالى.

  

والإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق مما يتصل بالإيمان بالرسل؛ لأن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا يخبرون عن كلام الله، ويبلغون الناس ما جاءهم به الوحي مما أوحاه الله تعالى إليهم، فكان الإيمان بأن القرآن كلام الله وأن ما أوحاه الله لرسله كلامه جل في علاه مما يتصل بالإيمان بالرسل، وذلك يبين أن الذين كذبوا الرسل إنما كذبوا في الحقيقة أن يكون لله كلام، أو أن يوحي الله تعالى إلى أحد بوحي، وقد أخبر الله تعالى عن هذا منزهًا نفسه وأن من أعتقد أن الله لا يبعث رسولا يكلمه ويوحي إليه أنه لم يقدر الله حق قدره كما قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ[الأنعام: 91] يعني مما أوحاه إلى رسله من الكتب البينات والآيات الواضحات التي أوحاها الله تعالى إلى الرسل ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.

فالقرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وهو من تمام الإيمان بالرسل؛ لأن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أخبروا الناس بما أوحاه الله إليهم والله تعالى أوحى إليهم مكلمًا أولئك الرسل وما جاءهم من الوحي هو كلام الله –عز وجل- الذي تكلم به إما مباشرة وإما بطريق الرسول الملكي الذي يبلغ ما سمعه من الله تعالى وما أوحاه الله إليه كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ[الشورى: 51].

فالله جل وعلا أخبر أنه يوحي إلى الرسل من طرقه، ومن طرق الوحي إلى الرسل أن يوحي إلى رسول من الملائكة يبلغ الرسول الإنسي ما تكلم به رب العالمين جل في علاه.

  

وقد جرى للأمة في هذه الصفة فتنة عظيمة في القرن الثالث الهجري حيث انحرف في هذه الصفة من انحرف وقال إن القرآن مخلوق وليس بكلام الله –عز وجل- وبعضهم قال إنه كلام الله لكنه مخلوق، وجعل إضافة الكلام إلى الله تعالى إضافة خلق وتشريف كناقة الله وبيت الله ونحو ذلك من المخلوقات وهذا تكذيب لما جاءت به الرسل وأخبرت به من أن الله أوحى إليها وكلمها بكلام إما مباشرة، وإما من طريق وحي أوحاه الله إلى رسول بلغهم ذلك الكلام الذي تكلم به رب العالمين جل في علاه، وهذه الفتنة جرت في زمن المأمون على علماء الأمة.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق