تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 2355

التاريخ : 2018-01-24 06:05:07


قال - رحمه الله -: "ويحتج الربُّ - سبحانه وتعالى - عليهم بتوحيدهم ربوبيَّته على توحيد ألوهيَّته، كما قال الله - تعالى -: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [النمل:59 - 60].

وكلما ذكر تعالى من آياته جملة من الجمل قال عقبها: ﴿أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾[النمل:60]؟، فأبان سبحانه وتعالى بذلك أن المشركين إنما كانوا يتوقفون في إثبات توحيد الإلهيَّة لا الربوبيَّة، على أن منهم من أشرك في الربوبيَّة كما يأتي بعد ذلك إن شاء الله - تعالى -.

وبالجملة فهو تعالى يحتج على منكري الإلهيَّة بإثباتهم الربوبيَّة".

هذا المقطع من كلام المؤلف - رحمه الله - هو تقرير وتأكيد لما تقدم من أنَّ المطلوب من العباد هو تحقيق إفراد الله بالعبادة، هو اليقين بأنَّه لا إله غيره - جلَّ في علاه -، وأنَّ اعتقاد العبد أنَّ الله هو الخالق، الرازق، المدبر لا يكفي في دخول الإسلام، بل لا بد أن يضيف إلى ذلك اعتقاد أنَّ الله لا إله غيره، وأنَّه لا يعبد سواه، وأنَّه لا يستحق العبادة إلَّا هو - جلَّ في علاه -.

قال - رحمه الله -: "ويحتج الربُّ - سبحانه - عليهم"؛ أي على المشركين الذين عبدوا غيره؛ بتوحيدهم الربوبية على توحيد الإلهية؛ يعني يستدل على أنَّه لا يستحق العبادة غير الله بأنَّهم يقرُّون بأنَّه لا خالق إلَّا الله، وأنَّه لا مالك إلَّا الله، وأنَّه لا رازق إلَّا الله، وأنَّه لا مدبر إلَّا الله، فإذا كان لا خالق إلَّا الله، ولا رازق إلَّا الله، ولا مدبر إلَّا الله، ولا مالك إلَّا الله؛ فمقتضى تمام الإيمان بذلك أن تعتقد أنَّه لا إله إلَّا الله، وأن لا تعبد غيره جلَّ في علاه؛ ولهذا يقول: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾[النمل:59]؛ أمر الله - تعالى - رسوله، وهو أمر لكلِّ مؤمن أن يحمد الله - تعالى - على عظيم صفاته، وجليل أفعاله - سبحانه وبحمده -، وما له من الأسماء الحسنى والصفات العليا ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾[النمل:59]؛ سلام عليهم لسلامة عقدهم، وقولهم، فسلَّم الله - تعالى - على عباده الذين اصطفى، ومن هم عباده الذين اصطفى؟ هم الذين اعتقدوا أنَّه لا إله غيره؛ هم الرسل وأتباعهم؛ أهل الصراط المستقيم ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل:59]؛ هذه موازنة، وسؤال، أيهما خير: الله الذي له الأسماء الحسنى؟ الله الذي له الصفات العلا؟ الله الذي له الأفعال الجميلة، الله ربُّ العالمين؟ أم من تعبدونهم من المعبودات، الأوثان، الأصنام التي لا تنفع ولا تضر؟ أو المخلوقون حتى ولو لم يكونوا أصنامًا من المقبورين الذين لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا؟ ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[النمل:59]؟ أيهما خير؟ لا يمكن أن يجيب عاقل إلَّا بأنَّ الله خير من كل ما يشرك به المشركون، فلا إله غيره - سبحانه وبحمده -.

ثمَّ يعود في الاحتجاج عليهم بتوحيدهم الربوبية على أنَّه لا يستحق العبادة غير الله؛ فيقول سبحانه: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾[النمل:60]؛ من الذي خلق السماوات والأرض؟ ﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾[النمل:60] من؟

الجواب: يقينًا: الله هو الذي صنع ذلك، الله هو الذي فعل ذلك، إذا كان كذلك ﴿أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾[النمل:60]؟ أإله مع الله صنع هذا؟ ﴿أَإلَهٌ﴾ ما قال "أَرَبٌّ"؟ لأنهم يقرون بالربوبية، لكن قال: ﴿أَإلَهٌ﴾؛ يعني هل يستحق غيره أن تصرف له العبادة، وهو الذي صنع هذا، وفعل هذا؛ وهذا ما تقرُّون به وتعتقدونه به جلَّ في علاه؟ ﴿أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل:60]؟

ثمَّ يلفت النظر إلى سبب خروجهم عن التوحيد، وعدم إقرارهم بأنَّه لا إله إلَّا الله، فيقول: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾[النمل:60]؛ أي الذي أوقعهم فيما أوقعهم فيه أنَّهم سوَّوا غير الله بالله، ﴿يَعْدِلُونَ﴾؛ يعني يسوون غير الله - تعالى - بالله، وهلمَّ جرا في الآيات التي ذكرها الله - تعالى - عن إقامة الحجة على هؤلاء بذكر ما يكون من عظيم صنعه، وآلائه - جلَّ في علاه -.

يقول المصنف: "وكلما ذكر الله - تعالى - من آياته"؛ أي براهينه التي بثَّها في الآفاق والأنفس، والتي تقرُّ بها قلوبهم "كلما ذكر الله - تعالى - من آياته جملة من الجمل قال عقبها ﴿أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾[النمل:60]"؛ أي: صنع ذلك، فيستحق العبادة؟ ﴿أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾[النمل:60]؛ فعَلَ هذا لتصرف العبادة إليه؟ ﴿أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾[النمل:60] خلق هذا حتى تسووا به غيره؟!

يقول: "فأبان سبحانه وتعالى بذلك أن المشركين إنما كانوا يتوقفون في إثبات توحيد الإلهية"؛ لم يكونوا ينكرون أنَّ الله ربُّ العالمين، أنَّ الله هو الخالق، أنَّ الله هو المالك، أنَّ الله هو الرازق، أنَّ الله هو المدبر، لكنهم كانوا ينكرون أن لا تكون العبادة إلَّا له وحده لا شريك له؛ ولهذا يستغيثون بغير الله، ويدعون غير الله، ويذبحون لغير الله، ويتقربون إلى المقبورين، وإلى الجن، وإلى الملائكة، ويسألونهم الشفاعة، ويطلبون منهم قضاء الحاجات؛ كلُّ هذا بشركهم بالله، وجهلهم بعظيم قدرته - جلَّ في علاه -، وأنَّه لا يستحق العبادة سواه.

  

ولهذا يقول: "فأبان سبحانه وتعالى بذلك أن المشركين إنما كانوا يتوقفون في إثبات توحيد الإلهيَّة لا الربوبيَّة، على أن منهم من أشرك في الربوبيَّة"؛ يعني ليس جميع المشركين قد حققوا توحيد الربوبية على الكمال، وإلا فلو أنَّ العبد حقق كمال التوحيد لله في ربوبيته، فلا بد أن يقوده ذلك إلى تكميل تحقيق الإلهية لله عزَّ وجلَّ؛ قال: "على أن منهم من أشرك في الربوبيّة كما يأتي بعد ذلك إن شاء الله تعالى".

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق