تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1588

التاريخ : 2018-01-24 06:05:27


قال - رحمه الله - : "وبالجملة فهو تعالى يحتج على منكري الإلهيَّة بإثباتهم الربوبيَّة.

والملك: هو الآمر الناهي الذي لا يخلق خلقًا بمقتضى ربوبيَّته ويتركهم سدى معطلين لا يُؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون؛ فإن الملك هو الآمر الناهي، المعطي المانع، الضار النافع، المثيب المعاقب".

يقول - رحمه الله - : "ويحتج الربُّ - سبحانه - عليهم"؛ أي: على المشركين بتوحيد ربوبيته على توحيد إلهيته، ثمَّ قال - رحمه الله - : "وبالجملة"؛ أي بعد أن ذكر ما ذكر مما تقدم أجمل ما يقصده، وما يريده من أنَّ الله – تعالى - يذكر ربوبيته في إقامة الحجة على من أشرك به، وأنَّه - سبحانه وبحمده - لا يستحق أن يسوى به غيره، وأنَّه يجب إفراده بالعبادة؛ وهذا كثير في القرآن العظيم، يذكر الله ربوبيته ليستدل بها على أنَّه لا إله غيره، وأنَّه لا تصرف العبادة لسواه.

﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾[المؤمنون:86]﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾[المؤمنون:87]﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[المؤمنون:88]﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾[المؤمنون:89]؛ يعني كيف يقع منكم أن لا تفردوه بالعبادة؟! كيف يقع منكم أن تتوجهوا إلى غيره، وتعبدوا غيره؟ إذا كنتم تقرُّون بأنَّ الله - جلَّ وعلا - رب السماوات السبع، وأنَّه رب العرش العظيم، وأنَّ بيده ملكوت كل شيء - سبحانه وبحمده - ، وأنَّه لا يجير ولا يجار عليه - جلَّ في علاه - ، فكيف يسوغ لمن امتلأ قلبه يقينًا بهذه المعارف، وبهذه العلوم أن يعبد غيره - جلَّ وعلا -؟!

وقد قال: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[العنكبوت:61]، يقول الله - جلَّ وعلا - : ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[العنكبوت:61]؛ كيف يُصرفون عن عبادة الله وحده إذا كانوا يقرُّون بهذا؟!

  

فالآيات في هذا المعنى كثيرة فيها يثبت الله - تعالى - وجوب عبادته وحده لا شريك له، بما يقرُّ به هؤلاء من أنَّه لا خالق، ولا مالك، ولا رازق، ولا مدبر، ولا فاطر إلَّا الله - جلَّ في علاه - مقتضى هذا أن يكون العبد موحدًا لله في عبادته، فلا يصرف العبادة لسواه، ومنه نعلم الارتباط والصلة بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية؛ توحيد الربوبية إذا كمل في قلب العبد استلزم توحيد الإلهية، فتوحيد الربوبية الطريق الذي يوصل إلى توحيد الإلهية؛ ولذلك يستلزم توحيد الربوبية توحيد الإلهية، ومن كمَّل توحيد الإلهية تضمن ذلك تكميل توحيد الربوبية، ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله - أمرًا آخر مما يدل على وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة أنَّه الملك - سبحانه وبحمده - ، كما أنَّه الخالق فهو الملك.

قال الله - جلَّ وعلا - : ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾[يونس:31]؛ فالله - سبحانه وتعالى - له الملك - سبحانه وبحمده.

  

ومقتضى أن له الملك - سبحانه وبحمده - يستلزم أن يقطع الإنسان النظر إلى غيره، وأن لا يطيع سواه؛ ولذلك يقول: "والملك هو الآمر الناهي"؛ هذا مقتضى أنَّ الله - تعالى - الملك، والله - سبحانه وبحمده - يملك الدنيا والآخرة، له كلُّ شيء - سبحانه وبحمده - لا يملك العباد شيئًا دون الله - عزَّ وجلَّ - ، بل هو الله الذي يرث الأرض ومن عليها، وله الملك - سبحانه وبحمده - ، كما قال - جلَّ وعلا - : ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الملك:1]؛ فالله يملك كل شيء، وملكه وسع كل شيء، لم يسبقه عدم، ولا يلحقه زوال، فهو الباقي - جلَّ في علاه - الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء - سبحانه وبحمده - ، وإليه كل شيء صائر، فهو الذي يرث الأرض ومن عليها - جلَّ في علاه - سبحانه وبحمده - .

  

وكلُّ ملك لبني آدم فهو مسبوق بعدم ويلحقه زوال، فإنَّ الإنسان أخرجه الله من بطن أمه لا شيء معه، ولا يملك شيئًا في الأصل، والغالب، ثمَّ بعد ذلك إذا مات كلُّ ما يملكه، ولو ملك ما ملك خرج من ملكه، وانتقل قهرًا لورثته؛ ولذلك الميراث نوع من التملك القهري؛ لأنَّه ينتقل بالشرع من مالكه إلى ورثته، وفق ما بيَّن الله - عزَّ وجلَّ - وقسم.

فمُلْك العباد قاصرٌ مسبوق بالعدم، ويلحقه زوال، كما أنَّه في أثناء الملك ليس مطلق التصرف، بل «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: - ومنها: - وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ» أخرجه الترمذي (2417)، وقال: حسن صحيح .

ولا بد أن يطيع الله - تعالى - فيما ملك، فهو لا يملك ملكًا مطلقًا، بل ملكه مقيد، وليس له فيه الملك المطلق، إنما الملك المطلق لله - جلَّ وعلا - ، وإذا كان كذلك فإنَّ الملك الذي بيده ملكوت كل شيء - سبحانه وبحمده - حقُّه أن يطاع في أمره، ونهيه، فطاعته في أمره أن يُمتثل، وفي نهيه أن يجتنب.

ولهذا قال: "فالملِك هو الآمر الناهي الذي لا يخلق خلقًا بمقتضى ربوبيته، ويتركهم سدى"؛ فمن مقتضيات حكمة الله وملكه أن يطيع العباد ربَّهم في توحيده وعبادته؛ ولذلك لا يمكن أن يخلق الله - تعالى - الخلق ويتركهم دون أمر ونهي، بل خلقهم لحكمة؛ كما قال - تعالى - : ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2]، وكما قال - تعالى - : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]؛ فغاية الخلق تحقيق العبودية لله - عزَّ وجلَّ - .

قال - رحمه الله - : "والملك هو الآمر الناهي الذي لا يخلق خلقًا بمقتضى ربوبيته، ويتركهم سدى معطلين، لا يُؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون؛ فإنَّ الملك هو الآمر الناهي، المعطي المانع، الضار النافع، المثيب المعاقب"؛ وكلُّ ذلك يقتضي أن يُفرد بالعبادة - جلَّ وعلا - ؛ ولذلك يقول: "جاءت الاستعاذة في سورة الناس، وسورة الفلق بالأسماء الحسنى"؛ التي هي مقتضى أن يفرد - جلَّ وعلا - بالعبادة، وأن يفرد - سبحانه وبحمده - بالقصد، وأن لا يتوجه العباد إلى غيره؛ فإنَّ المستعاذ به هو من يملك - جلَّ في علاه - ، هو الرب، هو الملك، هو الإله؛ ولهذا يقول الله - جلَّ وعلا - في خاتمة سور القرآن؛ سورة الناس: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1]﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾[الناس:2]﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾[الناس:3]؛ فالربوبية والملك تثبت أنَّه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه - سبحانه وبحمده - .

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق