تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1470

التاريخ : 2018-01-24 06:06:38


قال - رحمه الله -: "وهاتان السورتان أعظم عوذة في القرآن، وجاءت الاستعاذة بهما وقت الحاجة إلى ذلك، وهو حين سحر النبي - صلى الله عليه وسلم-، وخُيِّل إليه أنه يفعل الشيء - صلى الله عليه وسلم - وما فعله، وأقام على ذلك أربعين يومًا، كما في الصحيح، وكانت عقد السحر إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية، فانحلَت بكلِّ آيةٍ عقدةٍ.

وتعلقت الاستعاذة في أوائل القرآن باسمه الإله، وهو المعبود وحده؛ لاجتماع صفات الكمال فيه.

ومناجاة العبد لهذا الإله الكامل، ذي الأسماء الحسنى والصفات العليا، المرغوب إليه؛ في أن يعيذ عبده الذي يناجيه بكلامه من الشيطان الحائل بينه وبين مناجاة ربِّه.

ثم استحب التعليق باسم الإله في جميع المواطن الذي يقال فيها: (أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم)؛ لأنَّ اسم الله - تعالى - هو الغاية للأسماء؛ ولهذا كان كل اسم بعده لا يتعرف إلاَّ به، فتقول: الله هو السَّلام، المؤمن، المهيمن، فالجلالة تعرِّف غيرها، وغيرها لا يعرفها".

يقول المصنف - رحمه الله -: "وهاتان السورتان أعظم عوذة في القرآن"؛ السورتان هما سورة الفلق، وسورة الناس، وقوله - رحمه الله -: "أعظم عوذة في القرآن"؛ يعني أعظم ما يحصل به الاحتماء، والاعتصام بالله من الشرِّ والسوء، والفساد والمكروه على وجه العموم، فأعظم ما تحصل به الاستعاذة من آيات القرآن هاتان السورتان.

وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم من طريق قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر أنَّه قال - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس» أخرجه مسلم (814) يعني لم يأت في كتب النبيين، ولا في القرآن مثلهن، في الصيانة والوقاية والحفظ من الشرِّ والسوء؛ وهذا يدل على أن هاتين السورتين تقدم نزولهما، وأنَّهما لم تكونا قد نزلتا ابتداءً في حادثة سحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل كان نزولهما سابقًا، وفيهما من الحماية من الشرِّ، والحفظ من أسباب الفساد ما ليس في شيء من القرآن.

  

﴿قُلْ أَعُوذُ﴾[الفلق:1]؛ أي: أحتمي وأعتصم وألتجئ، وأطلب الصيانة، والحفظ.

﴿بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾[الفلق:1] أي: صاحب الفلق الذي يخلق كلَّ شيء - جلَّ في علاه -، فهو فالق الحب والنوى - جلَّ في علاه -، وفالق الإصباح - سبحانه وبحمده -.

﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾[الفلق:2]؛ هذه الاستعاذة بالله - عزَّ وجلَّ - من شرِّ كل ذي شر؛ يقول العلماء: حتى من شر نفسك، فإنَّك تستعيذ بالله من شر خلقه، وأنت من خلق الله، فعندما تقول: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾[الفلق:1]﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾[الفلق:2]؛ تستعيذ بالله حتى من شر نفسك؛ وهذا قد يغيب عن كثير من الناس.

ثمَّ بعد أن ذكر العموم في الاستعاذة بالله من الشرِّ، ذكر شرورًا عظيمة يطلب الوقاية منها ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾[الفلق:2]﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾[الفلق:3]؛ وهو الليل إذا أظلم، والليل موضع للشرِّ وكثير من الفساد، فاستعاذ بالله من زمن الشر؛ ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾[الفلق:3]﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾[الفلق:4]؛ وهنَّ السواحر، وذِكر النفاثات لا يقصر الأمر على النساء، بل لأنَّه غالب فيهن وإلَّا فهو من شر سحر كل ساحر ذكرًا كان، أو أنثى، ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾[الفلق:5]؛ أي من شر أصحاب النفوس الخبيثة التي تكره الخير الذي يسوقه الله - تعالى - للغير وتتمنى زواله.

  

وبعد ذلك في السورة الثانية ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1]؛ تقدم الكلام عليها ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾[الناس:2]﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾[الناس:3]، ثمَّ ذكر من الشرور التي تكون في صدور الناس؛ ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾[الناس:4]؛ وهو الذي يلقي في نفوس الناس الوساوس والهواجس التي تشككهم في الدين، وفي العقائد، أو توقعهم في الحرج والضيق.

فالوساوس منها ما يتعلق بالله، ومنها ما يتعلق بالإيمان، ومنها ما يتعلق بالعمل؛ كلُّ ما يطلب السلامة منه، والاستعاذة بالله - تعالى - منه؛ ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾[الناس:4]﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾[الناس:5]؛ يلقي في قلوبهم الشبه، والشكوك.

قوله: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾[الناس: 6]؛ من كلِّ صاحب وسواس يلقي في قلوب الناس الوساوس سواء كان من الجن كالشيطان، أو كان من الإنس؛ وهم الذين يزينون الباطل، ويشككون الناس في دين الله - عزَّ وجلَّ -، ويصرفونهم عن الهدى بزخارف الأقوال، والبيان كما قال - تعالى -: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾[الأنعام:112]؛ فيصد بعضهم بعضًا عن الحق والهدى بما يبهرجونه، ويزينونه من الأقوال التي تصرف عن الحق والهدى.

وهذا معنى قوله - رحمه الله - في هذا الموضع: "وهاتان السورتان أعظم عوذة في القرآن"؛ أي أعظم ما جاء في القرآن من صيغ الاستعاذة، وأجمعه؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكرهما في الصباح والمساء، ويذكرهما في أدبار الصلوات؛ لما لهما من الأثر العظيم في صيانة الإنسان ووقايته، وحفظه، وحمايته مما يكره.

وهذا الكلام وما بعده نوع من الاستطراد ذكره المؤلف استطرادًا، وإلَّا فإنَّه خارج عن صلب الموضوع الذي يتحدث عنه  في هذا الكتاب الماتع في "تجريد التوحيد المفيد".

نسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يرزقني وإياكم البصيرة في الدين، والعمل بالتنزيل.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق