ثاني ما ذكره المؤلف - رحمه الله - من صور الشرك به - جلَّ في علاه - في الأفعال: الطواف بغير البيت؛ حيث قال - رحمه الله - في ذكر الأمثلة كالسجود لغيره سبحانه "والطواف"، وقد أمر الله - تعالى - بالطواف بالبيت، فهو عبادة يتقرب بها العبد لله - عزَّ وجلَّ - في موضع معين على نحو معين، لا يكون ذلك إلا في هذا الموضع، على نحو ما أمر الله - تعالى - كما قال - جل وعلا - في قصد هذا البيت المبارك: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج:29]، وقال - جلَّ وعلا -: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[البقرة:125]، وفي الآية الأخرى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[الحج:26].
فالطواف عبادة متعلقة بالبيت، هو تعظيم لله - عزَّ وجلَّ - وإجلال له؛ ولذلك جاء في حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَكُمْ فِيهِ الْكَلَام» أخرجه مرفوعًا الترمذي (960)، والنسائي (2922)، وصححه ابن حبان (3836)، والحاكم (1686) ؛ فالطواف عبادة كما الصلاة عبادة لا تكون إلَّا لله - عزَّ وجلَّ -، فيتقرَّب المؤمن لله - عزَّ وجلَّ - بالطواف ببيته.
وليس في الدنيا موضع يطاف عليه، أو يتقرب إلى الله بالطواف حوله إلَّا هذه البقعة المباركة، وهي قربة لله - عزَّ وجلَّ - وطاعة؛ ولهذا كان الطواف بغيره من المواضع من المنكرات، والمحدثات التي لا خلاف بين العلماء في تحريمها، وفي النهي عنها، وأنَّها من المحدثات في دين الله - عزَّ وجلَ -؛ هذا إذا كان الطواف بهذه الأشياء تقربًا إلى الله.
أمَّا إذا كان الطواف تقربًا إلى من يطوف عليه؛ كما لو طاف على قبر يتقرب بذلك للولي، أو يستجلب بذلك خيرًا لإجابة دعوته، أو لدفع ضرٍّ عنه؛ فهذا شرك أكبر يخرج به صاحبه من الإسلام؛ فإنَّ الطواف عبادة لا تصرف إلَّا لله - عزَّ وجلَّ -، ولا يكون الطواف بغير البيت الحرام تقربًا إلى الله - عزَّ وجلَّ -.