قال - رحمه الله -: "وحلق الرأس عبوديةً وخضوعًا لغيره، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمينه تعالى في الأرض".
الصورة الثالثة، أو المثال الثالث من أمثلة الشرك: قال: "وحلق الرأس عبوديةً"؛ أي: مَن حلق رأسه تعبدًا، ورقًّا، فإنَّه لا يكون ذلك إلَّا لله، فإذا فعله للشيخ، أو للولي، أو للضريح؛ فإنَّه يكون بذلك قد وقع في الشرك؛ قال الله - تعالى -:﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾[البقرة:196]، وقال - جلَّ وعلا -: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ﴾[الفتح:27]؛ فجعل حلاق الرأس عبادة وطاعة.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ: «وَالْمُقَصِّرِينَ» أخرجه البخاري (1727)، ومسلم (1301) فمَن حلق شعر رأسه، وفعل ذلك تقربًا لغير الله، فقد وقع في الشرك؛ لأنَّ الله لم يأمر به إلَّا له - جلَّ في علاه -.
قال: "وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمينه تعالى"؛ فتقبيل الأحجار على وجه طلب البركة منها، أو التعبد بتقبيلها، إذا تعبد بتقبيل حجر غير الحجر الأسود فهو محدث مبتدع، فإذا كان هذا تقربًا لمخلوق سواء كان حجرًا، جمادًا، أو كان تقربًا لضريح، أو كان تقربًا لصالح، أو تقربًا لملائكة، أو تقربًا للجن؛ فإنَّه يكون بذلك قد وقع في الشرك؛ لأنَّ تقبيل الحجر إنَّما هو عبادة لله تقربًا إليه، وتعظيمًا لما عظمه.
وأمَّا الحجر الأسود فقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - لما وقف عليه: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» أخرجه البخاري (1597)، ومسلم (1270) فتقبيل الحجر إنَّما يكون تعظيمًا لله، وطلبًا للأجر منه - سبحانه وبحمده -.
وقوله - رحمه الله -: "الذي هو يمينه في الأرض"؛ فيشير بذلك إلى ما جاء به الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس، مرفوعًا، وموقوفًا: «أنَّ الحجر الأسود يمين الله في الأرض» أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8919)، والفاكهي في أخبار مكة (17)، وابن بشران في الأمالي (12) لكن هذا الحديث في إسناده مقال، فهو لا يصح مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففي إسناده إسحاق الكاهلي، وهو ضعيف، وقد جاء ذلك في رواية غير رواية ابن عباس من طريق جابر، ولم يثبت في ذلك شيء؛ ولهذا عامة العلماء على أنَّ هذا الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
وغاية ما ورد فيه أنَّه يقبَّل تعظيمًا لله - عزَّ وجلَّ - كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكما ثبت عن عمر - رضي الله تعالى عنه -.
والبحث بأنَّه لا يشرع تقبيل شيء، فالذين يقبِّلون الحوائط، والذين يقبِّلون الأشياء في الأماكن المعظمة؛ كل هؤلاء إمَّا أنَّهم واقعون في بدعة؛ وهذا هو الغالب على صنيع هؤلاء، وإمَّا أن يكونوا يعتقدون أن هذه الأشياء تنفع، أو تضرُّ، أو أنَّها يتوجه إليها بهذه العبادة من دون الله - عزَّ جلَّ -؛ فهذا شرك أكبر يجب على المؤمن أن يتقيه، وأن يبعد عنه؛ لئلا يفسد دينه، ويقع في الشرك الذي لا يغفره إلَّا الله - عزَّ وجلَّ -.