تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1512

التاريخ : 2018-01-25 17:05:58


قال رحمه الله -: "فإن قيل: المشرك إنَّما قصد تعظيم جناب الله - تعالى -، وأنَّه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلاَّ بالوسائط والشفعاء، كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبيَّة، وإنَّما قصد تعظيمه، وقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة:5]، وإنَّما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه، وتدخل بي عليه، فهو الغاية، وهذه وسائل".

هذا المقطع من كلام المؤلف هو ذكرٌ لشبهة وشروع في الجواب عليها، وهو إشارة إلى الحجة التي يستند إليها أهل الباطل في عبادتهم لغير الله عزَّ وجلَّ -، في صرفهم الدعاء والاستغاثة، والنذر، وسائر ألوان العبادات لغير الله عزَّ وجلَّ -، قال الله سبحانه وتعالى -:  ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر:3]؛ فبيَّن الله جلَّ وعلا - هذه المقالة التي استندوا فيها إلى تصوير، وتبرير ما هم عليه من شرك.

فيقول المؤلف رحمه الله -: "المشرك إنَّما قصد تعظيم جناب الله - تعالى -، وأنَّه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلاَّ بالوسائط والشفعاء"؛ وهم الأولياء من الإنس، والجن، والملائكة، والجمادات الذين يزعم هؤلاء أنَّها تقربهم إلى الله، وأنَّها واسطة بينهم، وبين ربِّ العالمين "كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبيَّة، وإنَّما قصد تعظيمه، وقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]" أي: قالها بلسانه، وإن كان قد خرج عنها بفعله تعظيمًا لله عزَّ وجلَّ -.

قال: "وإنَّما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه، وتدخل بي عليه، فهو الغاية، وهذه وسائل"؛ وهذا هو ما تكلم به أهل الشرك، وذكره القرآن العظيم في بيان إبطال حجة المشركين فيما هم عليه من الشرك: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[الزمر:3]؛ فأبطل الله تعالى - هذه الحجة، وبيَّن أن هذا الاحتجاج كذب وزور، وأنَّه كفر بالله عزَّ وجلَّ -؛ لأنَّه خارج عما جاءت به الرسل مما أقره الله تعالى - في فطر الخلق من عبادته وحده لا شريك له سبحانه وبحمده -.

  

فهذه الكلمات اللينة التي يستعملها هؤلاء في تجميل باطلهم، وتزيين كفرهم، وتسويغ شركهم لا تُخفي قبيح ما تورطوا فيه من ظلم عظيم؛ ولهذا يقول الله تعالى- فيما يزين به أهل الباطل باطلهم: ﴿شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾[الأنعام:112]؛ أي: ليغروا به من ليس له نظر، ولا له فكر، ولا له تأمل في حقائق الأمور، وأنَّ ما زعموه كذب وزور، فأيُّهم أعظم في تعظيم الربِّ عزَّ وجلَّ -؟ أن يكون العبد بين يديه لا واسطة بينه وبينه، بل ينزل به حاجته، ويطلب منه دقيق أمره وجليله، أم أن يكون بينه وبينه وسائط لقضاء الحاجات ولله المثل الأعلى في شأن الناس في الدنيا، لو أن كبيرًا قال للناس: من أراد حاجة فليتوجه إلي، وسأقضيها له، فتوجه الناس إليه مباشرة، وآخر قال: من أراد حاجة فليأت إلى المكتب، أو إلى الواسطة الفلانية لأقضيها له، أيُّهما أحق  بالحمد؟ من جعل قضاء الحوائج مباشرة إليه وبفعله، أم من جعل بينه وبين الناس واسطة لقضاء الحوائج؟ هذا في شأن الخلق؛ لا شك أن من كان قريبًا من الناس يقضي حوائجهم، ويبلغهم ما يحتاجونه دون واسطة أقرب لقلوبهم وأعظم في نفوسهم من ذاك الذي جعل بينه وبين الناس وسائط ليصلوا إليه؛ هذا في شأن الخلق، فكيف في شأن الخالق – جلَّ وعلا -.

  

فالأكمل بلا شك أن لا يكون بين العباد وبين ربِّهم واسطة تُقضى من خلالهم الحوائج، بل لا يكون بينك وبين الله عزَّ وجلَّ - إلَّا أن تقول: يا رب؛ لتبلغ منالك وتصل إلى مقصودك، كما قال الله تعالى -: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة:186].

فهذا الذي زيَّنه الشيطان في عقولهم، وأعمى به بصائرهم من أنَّه تعظيم لله عزَّ وجلَّ - هو على نقيض ذلك، وقد أبطله القرآن، ونفاه سيد الأنام - صلوات الله وسلامه عليه -، بل نفته الرسل، وأمرت جميع الناس بأن يتوجهوا إلى الواحد القهار إلى من بيده ملكوت كل شيء، إلى من يجير ولا يجار عليه، إلى من أمره إذا أراد شيئًا إنَّما يقول له كن فيكون، فمن جعل بينه وبين الله واسطة لقضاء الحوائج فقد أساء الظن بالله، ولم يعرف قدر ربه جلَّ في علاه -: «يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ» أخرجه مسلم (2759) ؛ فهؤلاء غلَّفوا شركهم وضلالهم بتعظيمٍ هو منه بريء، وزخرفوا باطلهم بهذا القول الذي زعموا أنَّه تعظيم لجناب الربوبية، وهو قدح في تمامها الذي يقتضي أنَّه لا مالك إلَّا الله، ولا رازق إلَّا الله، ولا مدبر إلَّا الله، كما أنَّه لا خالق إلَّا هو - سبحانه وبحمده -.

بعد أن ذكر المؤلف - رحمه الله - شبهة هؤلاء في شركهم، وهي شبهة الأوائل: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾[الأنعام:112]﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، هذه هي شبهتهم التي سوغوا بها الشرك.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق