الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد:
ففي هذا المجلس نبدأ - إن شاء الله تعالى - كتاب الصيام من كتاب "دليل الطالب".
يقول - رحمه الله -: "كتاب الصيام" أي: مكتوب الصيام.
والصيام في اللغة الإمساك، والإمساك هنا ليس محددًا بشيء، إنما هو الإمساك مطلقًا، فالإمساك عن الحركة صيام، والإمساك عن الكلام صيام، والإمساك عن الأكل أو الشرب صيام، وهكذا في كل الأفعال، فالصيام يطلق على الإمساك عن الفعل، ومنه قول الله تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ مريم: 26 هذا إمساك خاص، وهو إمساك عن الكلام أي: توقف عنه، ومنه قول الشاعر:
خَيْلٌ صِيَامٌ وخَيْلٌ غَيْر صَائِمَةٍ
كيف تصوم الخيل؟ أي: تمسك الخيل عن الحركة، تتوقف عن الحركة، هذا معنى قوله:
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْر صَائِمَةٍ *** تَحْتَ العَجَاجِ وَأُخْرَى تعلك اللُّجُمَا
أما الصيام في الشرع فهو: التعبد لله - عز وجل - بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
هذا هو الصيام في الشرع: "التعبد" فخرج به الإمساك لغير التعبد.
وبيَّن عن أي شيء يكون الإمساك فقال: "عن المفطرات"، وسيأتي بيانها وإيضاحها.
ثم بيَّن الوقت الذي يكون فيه الصيام أنه ليس كل الوقت إنما وقت محدد فقال: "من طلوع الفجر إلى غروب الشمس" هذا أجود ما يقال في تعريف الصوم أنه "التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس".
وقد افترض الله تعالى الصوم على أهل الإسلام في السنة الثانية من الهجرة، فصام النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة رمضانات بالاتفاق؛ فلا خلاف بين العلماء في أن عدد الأشهر التي صامها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة رمضانات؛ كان منها اثنان تامَّيْنِ، والبقية كان فيها صيامه تسعةً وعشرين يومًا؛ يعني: كان صيامه في سنتين ثلاثين، وكان صيامه في بقية السنوات تسعةً وعشرين - صلى الله عليه وسلم -.