ولم يذكر المؤلف – رحمه الله - طريقًا آخر لثبوت الشهر، وهو تمام العدة؛ فإن تمام العدة هو الطريق الثاني من طرق ثبوت شهر رمضان؛ فشهر رمضان يثبت بطريقين: إما بالرؤية، وإما بإكمال العدة، وقد تضمنهما الحديث؛ حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1080) ثم قال: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ» أخرجه البخاري (1907)، ومسلم (1088) والروايات في هذا متعددة، ففي رواية ابن عمر: «فَاقْدِرُوا لَهُ» أخرجه مسلم (1080) ، وفي رواية لابن عمر أيضًا عند البخاري صحيح البخاري (1907) : «فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاَثِين»، وفي رواية عند البخاري صحيح البخاري (1909) من حديث أبي هريرة: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ».
فبهذا يتبين أن طرق ثبوت شهر رمضان طريقان:
الطريق الأول: رؤية الهلال؛ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» تقدم تخريجه .
الطريق الثاني: هو كمال العدة وتمام الشهر.
فيما يتعلق بالشهادة التي ذكرها المؤلف في قوله: (وتثبت رؤية هلاله بخبر مسلم مكلف عدل ولو عبدًا أو أنثى) هذا بعضهم يعدُّه طريقًا ثالثًا، ولكن في الحقيقة هو يرجع إلى الطريق الأول وهو الرؤية؛ لأن الرؤية تثبت بالمباشرة أو بخبر العدل.
ثم قال - رحمه الله -: (ولا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان عدلان)؛ (لا يقبل في بقية الشهور) أي: شهور السنة ومنها شهر شوال، فإنه لا يقبل الخبر برؤية الهلال إلا بشهادة رجلين عدلين.
وبه يُعلم الفرق بين خبر هلال رمضان وخبر بقية الأهلة، فهلال رمضان جرى فيه من التسامح أنه يُقبل فيه خبر الواحد وأنه يقبل فيه خبر الأنثى بخلاف بقية الشهور؛ فإنه لا يقبل فيها إلا اثنان ولابد أن يكونا رجلين، وأما العدالة فهي مشترطة في الحالين.
وقوله - رحمه الله -: (ولا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان عدلان) أصله ما جاء في خبر عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو ممن ولد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس له صحبة أنه خَطَبَ النَّاسَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَالَ: أَلَا إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَاءَلْتُهُمْ، وَإِنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَانْسُكُوا لَهَا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا، وَأَفْطِرُوا» أخرجه الإمام أحمد في المسند (18895)، والنسائي في الصغرى (2116)، والدارقطني في السنن (2193)، وينظر: البدر المنير (5/ 643 - 645) ، وهذا الحديث جاء من طرق يقوِّي بعضها بعضًا، وفي بعض طرقه الحجاج بن أرطأة وفيه ضعف، لكن جاء من غير طريق الحجاج، فالإسناد لا بأس به يصلح للاحتجاج. وإلى هذا ذهب جمهور العلماء.
بعد هذا انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى فصل بيَّن فيه ما يتعلق بشروط الوجوب وما يتصل بأحكام الصيام.
قوله: (فصوموا وأفطروا) استُثْنِيَ منه الصوم بقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر ابن عمر، وقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة الأعرابي في حديث ابن عباس، فما عداه يبقى على الأصل، ويكون هذا احتياطًا لرمضان.