- ومن التعليل أن الصوم لابد فيه من نية كما تقدم، وفاقد العقل لا تصلح منه نية؛ لماذا؟ لأنه لا عقل له؛ إذ إن النية هي القصد، والمجنون لا يصح منه قصد، فأفعاله كلها خارجة عن القصود؛ ولذلك لا يعتبر قوله ولا يعتبر ما يكون من عمله.
قال - رحمه الله -: (لكن لو نوى ليلًا ثم جُنَّ) هذا استدراك على الشرط الخامس، أو استطراد في الشرط الخامس، (لكن لو نوى ليلًا ثم جن)، لو نوى الصوم ليلًا ثم جن ليلًا أو نهارًا بعد النية (أو أغمي عليه) يعني فقد العقل بالإغماء (جميع النهار) أي: كله (وأفاق منه قليلًا) يعني إلا شيئًا يسيرًا منه، قال: (صحَّ)أي: صومه؛ لماذا يصح صومه؟ لأجل أنه وُجدت منه النية، فالنية مستصحبة، ووجد منه الإمساك، قلت قبل قليل: إن الصيام يقوم على ركنين هما؛ النية مع الإمساك، فلابد منهما لصحة الصوم، فلو نوى ولم يمسك ما كان صائمًا، ولو أمسك من غير نية ما كان صائمًا. فلابد في تحقيق الصوم من هذين الأمرين؛ ما هما؟ النية وهي القصد والإمساك، وهذا وُجد منه الأمران، وجدت منه النية وهي مستصحبة حال إغمائه أو جنونه وأفاق، وفي الإفاقة لم يقع منه مفطِّر، فحصل الإمساك.
لكن لو أنه استمر على الجنون أو الإغماء جميع النهار ولم يفق بالكلية، فهنا لم يوجد منه إمساك، ولذلك قالوا: إن لم يفق فعلى المغمى عليه القضاء دون المجنون، دون من جن، السبب في هذا أن المغمى عليه مازال مكلفًا، لم يرتفع عنه التكليف، وأما المجنون فقد ارتفع عنه التكليف فلا قضاء عليه، والصواب أنه لا قضاء عليه في الحالين إلا أن يكون هناك إجماع فيما يتعلق بالمغمى عليه، فقد حكى بعضهم الإجماع على أن المغمى عليه يجب عليه القضاء، وأنا في شكٍّ من هذا الإجماع؛ قال في الشرح الكبير - وهو ترتيب للمغني على المقنع - قال: "ولا نعلم خلافًا في وجوب القضاء على المغمى عليه" أي: جميع النهار "لأنه مكلف بخلاف المجنون"، فإن صح هذا الإجماع، فالإجماع يقضي على كل رأي وقول، وأما إن لم يصح فإنَّ مقتضى الطرد ألا يكون عليه قضاء.