(وفرضه الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس).
قال - رحمه الله -: (وفرضه) أي: فرض الصوم (الإمساك عن المفطرات) أي: الكف عن تناول المفطرات، والمفطرات لم يبيِّنها المؤلف - رحمه الله - هنا، وإنما بيانها فيما يأتي من كلام المؤلف - رحمه الله -، وسيذكرها على وجه جلي، وهي في الأصل ثلاثة: الجماع، والأكل، والشرب، وقد جاء النص عليها في القرآن في قوله تعالى: ﴿فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[البقرة: 187] وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في أجر الصيام وهو في الصحيحين: «يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابهُ وشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي» أخرجه بنحوه البخاري (7492)، ومسلم (1151) ؛ فهذه الثلاثة هي أصول المفطرات وما عداها يأتي بيان حكمه.
قوله - رحمه الله -: (من طلوع الفجر الثاني) يعني الفجر الصادق الذي تحل فيه الصلاة ويحرم به الطعام على الصائم، وقيَّده بالثاني؛ لأن الفجر فجران: فجر كاذب وفجر صادق، ويسمى الفجر الصادق الفجر الثاني.
(إلى غروب الشمس) أي: إلى سقوط قرص الشمس، فإذا سقط قرص الشمس فقد أفطر الصائم والدليل على ذلك قول الله تعالى: ﴿فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾[البقرة: 187] هذا المبدأ، وهو طلوع الفجر، ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[البقرة: 187]، والليل يبتدئ شرعًا ولغةً بغروب الشمس، فلا ليل قبل ذلك.
ويدل له أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أخرجه البخاري (1954)، ومسلم (1100) فدلَّ ذلك على أن المنتهى في الصوم هو سقوط قرص الشمس؛ ولذلك نص عليه - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يتوهم متوهم أن إقبال الليل يكون بدنو وقته قبل سقوط قرص الشمس.
وأما دليل أن الفجر الذي يمنع الطعام والشراب ويمنع الأكل هو الفجر الثاني؛ فالآية: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ البقرة: 187.
وأما الحديث؛ فحديث أذان بلال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» يقول الراوي - وهو عبد الله بن عمر -: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا. أخرجه البخاري (622)، (1918)، ومسلم (1092) يعني أن وقتًا يسيرًا كان بينهما.
قال - رحمه الله - بعد بيان الفرض الذي يتحقق به الصوم وهو الإمساك عن المفطرات قال: (وسننه) قبل ما نتكلم في السنن تكلمنا أكثر من مرة عن حقيقة الصوم، وقلنا: حقيقة الصوم تقوم على ركنين هما: النية والإمساك. والآن المؤلف - رحمه الله - قد استوعب هذا، فالنية ذكرها أين؟ في شروط الصحة، وأما الركن الثاني وهو الإمساك فذكره بقوله: (وفرضه الإمساك عن المفطرات).