قال المؤلف رحمه الله: وأين أسلم الكافر، وطهرت الحائض، أو برئَ المريض، وقدِم المسافر، وبلغ الصغير، وعقل المجنون، في أثناء النهار وهم مفطرون، لزمهم الإمساك والقضاء، وليس لمن جاز له الفطر برمضان أن يصوم غيره فيه.
قوله: (لزمهم الإمساك والقضاء): أي لزمهم الإمساك جميعًا على ما ذكر المؤلف رحمه الله؛ لأن الوقت محترم يجب الإمساك فيه إذا توافرت فيه شروط الوجوب، إذا توافرت في الشخص شروط الوجوب، وزالت الموانع والأعذار المبيحة، فإنه يجب عليه الإمساك؛ لحرمة الوقت، واستدل المالكية لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه»، مع كونهم يرون أن الصيام قد انخرم بالأكل والشرب (أي: فسد صومه)، لكنهم قالوا: قوله: (فليتم صومه) دليل على وجوب الإمساك لاحترام الوقت، وأما الجمهور: فهم على خلاف ما ذهبوا إليه من نتيجة، وإن كانوا يوافقون في وجوب صيانة الوقت، لكنهم يخالفون في الاستدلال بهذا الحديث على هذه المسألة؛ لأن الصيام عندهم صحيحٌ، وهو معذورٌ بالأكل والشرب.
الخلاف في هذه المسألة مبني على: أن هذا وقتٌ فرض الله صومه، وكان ما يبيح الفطر أو ما يجيزه، أو ما لا يتوجه فيه الخطاب للفاعل، فزال ذلك وأصبح من أهل الوجوب، فوجب عليه الإمساك، مثله: كذاك الذي لم يعلم برمضان فأُخبر في نهار أول يومٍ من أيام رمضان: أنه قد رُؤي الهلال أو ثبت الشهر، فإنه يجب عليه الإمساك بالاتفاق، فهذا مثله؛ لزوال العذر المبيح، أو الوصف المانع من الأكل والشرب، هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله وجرى عليه جماعات من أهل العلم، وهو قول الجمهور.
والقول الثاني: أنه لا يلزمه إمساكٌ إذا كان قد أفطر بعذرٍ يبيح، أما إذا كان الفطر بسبب وجود فوات شرط من شروط الوجوب، أو وجود مانع؛ كالكفر مثلًا، فإنه يجب الإمساك؛ لأنه أصبح من أهل التكليف حينئذٍ.
أما المريض الذي برِئ، والمسافر الذي أقام، والحائض التي طهرت، فهؤلاء يبيح لهم شرعًا الأكل والشرب في أول النهار، ولا ينفعهم إمساك بقية اليوم في براءة الذمة، فقالوا: بناءً على هذا لا يلزمهم، والإلزام يحتاج إلى دليل، وليس ثمة دليلٌ صريح.
وقد جاء عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "من أكل أول النهار فليأكل آخره"، فدَّل ذلك على أنه إذا حلَّ له الأكل في أول النهار، فإنه لا يُمنع منه في آخره، والفرق بينه وبين من لم يعلم بالشهر: أن ذاك معذورٌ بجهله وعدم علمه، أما هذا فهو معذورٌ بترك الصوم مع علمه به، فلا يُلحق هذا بذاك، والله تعالى أعلم.
ولذلك الراجح في ذلك والله تعالى أعلم: أنه لا يجب الإمساك، لكن لو أمسك احتياطًا فهذا خروجٌ من الخلاف، ومراعاةٌ له، وهو أبعد عن المؤاخذة، وإن وقع منه مُفَطر في بقية اليوم الذي أوجب فيه الإمساك فإنه لا يأخذ حُكم المفطرات التي تكون في الصيام الذي شَرَع فيه من أول اليوم، فمثلًا: لو جامع، فإنه لا يجب عليه الكفارة، والقضاء ثابت في ذمته من الأصل، لكن الأمر بالإمساك لاحترام الوقت، وأما القضاء: فلا ريب أنه يجب القضاء؛ لأنهم لم يصوموا صيامًا معتبرًا، هذا في الحائض والمسافر والمريض.
أما الصغير إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا عقل، ففي إيجاب القضاء عليهم نظرٌ؛ لأنه إنما وجب عليهم الصوم من وقت حصول شرط الوجوب وتوافره، وقبل ذلك لم يجب عليهم، فإيجاب القضاء عليهم محل تأملٍ ونظر، ولهذا الصحيح: أنه لا يجب عليهم القضاء