القيء: أي استخراج ما في الجوف عمدًا، وقد حكى الإجماع على ذلك غيرُ واحدٍ من أهل العلم حكاه ابن عبد البر، وحكاه أيضًا ابن المنذر وغيرهم، والأصل فيه: حديث أبي هريرة عند الخمسة: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ»، وفي بعض الروايات: «من استقاء عامدًا فليقضِ»، ولهذا أضاف المؤلف رحمه الله (عمدًا) هنا، وقد جاءت في رواية من روايات الحديث.
وخرج بالعمد الذي غُلب، والذي استقاء من غير قصدٍ، وخرج به النَّاسي، وأخرجوا به أيضًا المكره، فكل هؤلاء لا يدخلون في الوصف؛ لأن العمد منهم غير محرر، أي الناسي، والمكره، والغافل، الذي جرى منه هذا من غير قصد إخراج ما في جوفه، كأن ينظر إلى شيء ويديم النظر إليه، فيستثير ما في جوفه غافلًا عن الصيام، ففي هذا لا يكون عامدًا.
وخرج بقوله: (عمدًا) أيضًا: من غُلِب فخرج منه من دون اختيار، وقد جاء النص عليه في قوله:«من ذرعه القيء» أي: غلبه، «فلا قضاء عليه» وهذا محل اتفاق بين أهل العلم.
(الاحتقان في الدبر): وقد قال به جماعة من الفقهاء، والمقصود بالاحتقان: إدخال شيءٍ إلى الجوف من طريق الدبر، سواءً كان ماءً أو علاجًا أو غير ذلك، فالاحتقان المقصود به: أن يُدخل إلى جوفه من طريق الدُبُر شيئًا، فإنه يفطر به.
والعِلَّة في هذا: أنه أوصل إلى جوفه شيئًا، ومناط الفطر: هو إيصال شيءٍ إلى الجوف، سواء كان ذلك من الطريق المعتاد وهو الفم، أو من غير الطريق المعتاد؛ كالاحتقان مثلًا، أو الجائفة على سبيل المثال، فكله مما يحصل به الفطر عند الحنابلة، ووافقهم عليه جمهور الفقهاء.
هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله فيما يتعلق بالاحتقان، وأما ما يتعلق بالراجح؛ فالراجح: أنه لا يفطر، إلا ما كان أكلًا أو شرًبا أو في معناهما، وأما تعليق الحُكم بإيصال الشيء إلى الجوف يحتاج إلى دليل، وليس ثمة دليل على هذا، ومثل هذه الأمور ينبغي أن يتوقف فيها على ما جاء به النص، ويُلحق بما جاء به النص ما هو في معناه، وأما مجرد الإلحاق لأدنى مشابهة أن الطعام يدخل الجوف، وبالتالي كل ما يدخل إلى الجوف فإنه مفطر، فهذا غير صحيح؛ لأنه لو كان كذلك لبيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما والحاجة داعية إلى البيان؛ لأنه متعلق بعبادة من العبادات بالركن من أركان الإسلام، ولو بيَّنه لنُقِل.
ولهذا المالكية لا يرون الفطر بهذا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعات من أهل العلم