"ويجب الغسل من الجنابة وهي إنزال المني بوطء أو غيره أو بالتقاء الختانين".
قوله –رحمه الله-: "باب ما يوجب الغسل وصفته" أي وصفة الغسل.
والغسل هو ما أمر الله تعالى به في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6] وهو مما يرفع به الحدث الأكبر، إذ أن الحدث حدثان؛ حدث أصغر وهو ما يوجب الوضوء كالبول والغائط والنوم، وحدث أكبر وهو ما يوجب غسل جميع البدن وهو ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6] كالجنابة والحيض.
والغسل هو إسالة الماء على الجسد كله، أما موجباته فهي أسبابه التي تقتضيه، وقد عدَّ المؤلف –رحمه الله- في موجبات الغسل ستة موجبات خمسة منها بالإجماع وقد اتفق عليها العلماء، والسادس فيه خلاف وسيأتي بيان ذلك فيما ذكر –رحمه الله-.
قوله: "ويجب الغسل من الجنابة" وهي إنزال المني بوطء أو غيره أو بالتقاء الختانين" هذا شروع في ذكر ما يوجب الغسل، يعني الأسباب التي توجب الغسل وبدأ المؤلف –رحمه الله- الأسباب التي توجب الغسل بالجنابة؛ لأنها التي ذكرها الله تعالى في الآية في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6] ، ولأن الجنابة هي أكثر الموجبات وقوعًا وحدوثًا وتكررًا، ولذلك بدأ بها قبل غيرها.
والجنابة مأخوذة من الإجناب، وهو الإبعاد، ولهذا سمي البعيد عن الشيء أجنبيا عنه.
والأجانب ضد الأقارب، وسبب تسمية من قام به الحدث الأكبر لخروج المني أو التقاء الختانين بالجنب، أنه باعد الطهارة بما حصل منه من إنزال، وقيل لأنه بعد عن الأرواح الطيبة، إذ الجنابة تمنع قرب الملائكة ولهذا ندب النبي –صلى الله عليه وسلم- أن ينام الإنسان إذا أجنب على وضوء، لتخفيف أثر الجنابة التي تبعد عنه الملائكة والأرواح الطيبة.
وقد ذكر المؤلف –رحمه الله- في الجنابة سببين:-
الأول:- إنزال المني يقظة أو منامًا وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وهو موجب للغسل إذا خرج على الصفة التي ذكر الله تعالى في قوله: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَخُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق: 5- 7] .
والثاني:- من موجبات الغسل التقاء الختانين، والمقصود بالتقاء الختانين إيلاج الحشفة في الفرج، وإن لم يحصل إنزال، وهذا موجب من موجبات الغسل، وهو سبب من أسباب الجنابة التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-.
ودليل ذلك ما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها فقد وجب الغسل» فالنبي –صلى الله عليه وسلم- أوجب الغسل بالإيلاج، ولو لم ينزل، ولذلك أجمعت الأمة على وجوب الغسل بالجماع ولو لم ينزل، وبالإنزال ولو لم يجامع، فهذا ممن لا خلاف فيه بين العلماء.
فتخلص من هذا أن الجنابة هي إنزال المني يقظة أو منامًا بشهوة، وإن لم يكن جماع، أو الجماع وإن لم يحصل إنزال. فإذا وجد أحد الأمرين أو اجتمع فإن ذلك يوجب الغسل.
وإذا وجب الغسل، ترتب عليه ممنوعات منها الصلاة والطواف وجملة من الأحكام التي يمتنع منها الإنسان حال الجنابة وسيأتي ذكرها وبيانها.