المسألة الثانية صيام راكب الطائرة.
معلوم أن راكب الطائرة كغيره من حيث الصيام، لكن البحث في فطره كيف يفطر؟
تظهر المسألة في صورتين:
المسألة الأولى: هل المعتبر لفطر راكب الطائرة فطر الأرض التي هو فوقها، أو فطره في المكان الذي هو فيه، بمعنى هل إذا علم أن الشمس قد غربت في الأرض التي تحته يفطر، ولو رأى الشمس؟ أو لا بد أن ينتظر حتى تغرب الشمس ثم يفطر؟
والصورة الثانية فيما يتصل براكب الطائرة إذا أفطر قبل الإقلاع، ثم أقلعت الطائرة فرأى الشمس هل يلزمه الصوم؟ أم أنه لا يصوم لهذه الشمس الذي طلعت ويستمر في فطره؟
هاتان صورتان من المسائل المتصلة بأحكام فطر وصيام راكب الطائرة.
في المسألة الأولى، مسألة فطر أو توقيت فطر راكب الطائرة، لا خلاف بين العلماء من حيث الأصل أن الصيام والفطر يتبع العلامات التي أناط النبي –صلى الله عليه وسلم-أو أناطت الشريعة الصوم والفطر بها، وقد أناط الله تعالى الفطر بغروب الشمس، بمجيء الليل، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]، وإنما يكون الليل لغة وشرعًا بماذا؟ بغروب الشمس.
ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عمر كما ذكرنا وحديث عبد الله بن أبي أوفى أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «إِذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِن هَا هُنَا، وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِن هَا هُنَا، وغَرَبَتِ الشَّمْسُ فقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ» [ صحيح البخاري(1954)، ومسلم(1100)] حديث عمر يعني ذكر فيه ثلاث علامات «إِذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِن هَا هُنَا، وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِن هَا هُنَا، وغَرَبَتِ الشَّمْسُ» وهذه العلامات متلازمة فيما يظهر، لكن الحقيقة أنها ليست متلازمة من كل وجه من حيث النظر وإن كانت في الواقع متلازمة، لكنها من حيث قد يلتبس، يقبل الليل من هاهنا ويرى الإنسان الشمس فيلتبس، فلا بد في حال النظر من اجتماع هذه العلامات الثلاثة، لتحقق الفطر، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِن هَا هُنَا، فقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ» [ صحيح البخاري(1955)، ومسلم(1101)]، فلا خلاف بينهم أن الحكم منوط بما علقه النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأن هذا الحكم يتعلق بكل إنسان في مكانه الذي هو فيه، فلا يفطر أهل المدينة على إفطار أهل مكة، أو على إفطار أهل الرياض بالاتفاق، لأن الشمس معلوم أنها يختلف غروبها من مكان إلى مكان، فمناط الحكم هو غروبها في المكان الذي فيه الإنسان.
ولهذا لم تختلف الفتوى بين أهل العلم في أن راكب الطائرة لا يفطر بمجيء وقت الفطر في الأرض التي تحته حتى يصدق في حقه ما قاله النبي –صلى الله عليه وسلم-«إِذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِن هَا هُنَا، وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِن هَا هُنَا، وغَرَبَتِ الشَّمْسُ فقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ» فإذا اختل هذا الوصف، وهو غروب الشمس لا يفطر، ولو أفطر من تحته، ولم أقف على خلاف في هذا بين أهل العلم المعاصرين، يعني ليست العبرة بالتوقيت بالأرض التي فوقها، إنما العبرة بما يراه من علامات الصيام والفطر حتى في الإمساك، الحكم يختلف وذلك بكون الحكم يتعلق بنظر العين، فإذا رأى العلامات في الإمساك والفطر لزمه، ولو لم تظهر تلك العلامات لمن في الأرض التي تحته، أو كانت قد ظهرت تلك العلامات في الأرض التي تحته.
وهذه المسألة لها نظير فيما ذكره بعض الفقهاء رحمهم الله، وهنا فائدة معرفة الموروث الفقهي يفيدك في التوصل لأحكام مسائل مستجدة، فالفقهاء ذكروا صورة مقاربة من ذلك ما ذكره فقهاء الحنفية رحمهم الله فيما من كان على منارة وكان في أعلاها، فغابت الشمس عمن هم في أسفل المنارة والذي في أعلى المنارة معلوم أنه يرى من لا يراه من في أسفل المنارة، فهل يفطر الذي في أعلى المنارة بفطر من كان في أسفلها؟
يقول –رحمه الله-: ومن كان على مكان مرتفع كمنارة الإسكندرية لا يفطر، ما لم تغرب الشمس عنده.
يقول: ولأهل البلد الفطر إن غربت الشمس عندهم، هذا قريب من مسألتنا، بل هي مسألتنا، لكن هذا على منارة وذاك على طائرة، الفرق بينهما أن المنارة متصلة بالأرض، وهذا لا، مرتفع، لكن هذا الفرق غير معتبر، فإذا كان من كان على شيء متصل بالأرض يختلف الحكم فيه، فكيف بمن كان منفصلًا عن الأرض بائنًا منها؟
وعلى هذا الذين في ناطحات السحاب لا يفطرون بآذان المؤذن الذي بينهم وبينه مئات الأمتار أو أمتار كثيرة، بل لا بد أن يرقبوا الشمس بأنفسهم، لأن إذا كانوا الفقهاء ذكروا أن من على المنارة، مع أن المنارة لا تبلغ أن تكون ناطحة سحاب فيما نعلم، فهذه البنايات الشامخة فطرها ينبغي أن يراعى فيه ما ذكره الفقهاء، وهو مما أشرنا إليه في مسألة فطر راكب الطائرة.
هذه المسألة الأولى التي تتصل بفطر وصيام راكب الطائرة.