أولًا: المفطرات أمر توقيفي، يعني لا بد فيه من نص، فلا يحكم في شيء بأنه مفطر حتى يقوم الدليل على التفطير به، فلو قال قائل: استعمال الميكروفون في نهار رمضان مفطر، ماذا يقال له؟ ما الدليل؟ لو قال قائل: الجلوس في الظل مفطر، الجلوس عند التكييف مفطر، لا بد من دليل على كل ما يقال بأنه مفطر، لماذا؟
لأن الفطر بيَّنه النبي –صلى الله عليه وسلم-بيانًا واضحًا، فالصيام هو الإمساك عن المفطرات، وقد جاء بيان المفطرات في كلام الشارع، في قول الله وفي قول رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ولقد كانت المفطرات معروفة قبل البعثة والنبوة، لكن الشريعة جاءت بزيادات وتوضيحات لأحكام الفطر، وإلا فالصيام لم يكن أمرًا مجهولًا، يعني لما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 183] لم يقل ما المقصود بالصيام؟ كان معلوما، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-كان يصوم عاشوراء في مكة، وكانت تصومه قريش، ولما انتقل إلى المدينة وهاجر-صلى الله عليه وسلم-استمر في صيامه لعاشوراء، وبعد ذلك جاء تشريع الصيام.
فالصوم اسم معهود ومعروف من قبل، وبيان مضمونات الصيام- يعني ما الذي يمتنع منه في أثناء الصيام- كان معروفا، فكان الصيام معروف أنه امتناع عن الأكل والشرب، ثم الجماع في بيان الشارع.
لذلك ليس لأحد أن يضيف في المفطرات شيئًا إلا بحجة وبرهان.
الأصل الثاني: أن اعتماد القياس في المفطرات لا بد أن يكون قياسًا جليًّا واضحًا بينًا، وألا يقتصر فيه على مجرد الشبه، بل لا بد من النظر في المعنى والحكمة والعلة، والسر في هذا أو السبب في كوننا نذكر هذا الأصل وهو ما هو الأصل؟
أنه لا يصح اعتماد القياس في التفطير إلا ما كان قياسًا جليًّا صحيحًا، السر في هذا ان أكثر المفطرات المختلف فيها دليل ثبوت الفطر بها هو القياس، فكثير من الفقهاء يعتمد القياس في إثبات الفطر بالمفطرات المذكورة، وهذا أمر لا بد فيه من اعتماد على نص ودليل؛ لأن القياس إلحاق فرع بأصل لمعنى جامع، لعلة جامعة مشتركة بين الأصل والفرع.
فلا بد من تحرير هذه العلة، وبهذا يتبين أن اعتماد القياس ليس طريقًا صحيحًا، لا سيمًا فيما دعت الشريعة إلى بيانه وإيضاحه، فلو أن الاستحاضة تفطر، لو قال قائل: الاستحاضة مفطرة قياسًا على الحيض، نقول: هذا القياس مردود، ولم يقل أحد من العلماء بأن الاستحاضة مفطرة فيما أعلم قياسا على الحيض، لماذا؟ لأن الاستحاضة كانت موجودة في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم ولم يحكم بفطر المستحاضات، ولا يصلح إثبات القياس أن هذا الحكم يحتاج إلى بيان، والحيض يخالف ويفارق الاستحاضة، فلذلك لا يصح القياس والإلحاق، وهذا نموذج لبيان أنه لا يكفي مجرد المشابهة، الحيض دم خارج من الرحم، والاستحاضة مثل ذلك فيأخذ حكمها، لا، لا يصلح هذا، بل لا بد من تحرير القياس لإثبات الفطر.