ذكر أحكام مسائل وصور يصل فيها الشيء إلى الجوف من طريق الجلد امتصاصًا، أو من طريق الجلد خرقا إلى داخل الجوف، فمن ذلك ما يعرف بالتنظير تنظير البطن، المناظير معلوم أن منها ما يستعمل في وصوله إلى الجوف الفم، ومنها ما يستعمل في وصوله إلى الجوف الأنف، ومنها ما يستعمل في وصوله إلى الجوف الدبر، ومنها ما يستعمل في وصوله القبل الذي هو مجرى البول.
ومنها ما يصل إلى الجوف من طريق شق جدار البطن، فيصل إلى الجوف من طريق إحداث ثقب في البطن ليصل إلى الجوف، وفي وصوله إلى الجوف له حالان؛ الحال الأولى أن يصل إلى مجرى الطعام والشراب، التنظير من طريق جدار البطن، إما أن يصل إلى مجرى الطعام والشراب بأن يفتح فتحة مثلا ويصل إلى المعدة الآن وصل إلى مجرى الطعام والشراب، ويمكن أن يفتح فتحة ويصل إلى البطن لكن دون أن يصل إلى مجرى الطعام والشراب المعروف بالجهاز الهضمي عند علماء الأحياء في هذه الحال ما تأثير ما يصل إلى الجوف؟
جمهور الفقهاء على أن ما يصل إلى الجوف من طريق جدار البطن يفطر، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، والقول الثاني أن ما يصل إلى الجوف لا يفسد الصيام مطلقًا وبه قال بعض المالكية، وبعض أهل العلم من الظاهرية، وبه قال صاحبا أبي حنيفة من الحنفية.
وهناك قول ثالث في هذه المسألة، هو أنه لا يفطر ما وصل إلى الجوف إلا بشرطين؛ الشرط الأول: أن يغيب ذلك الشيء في الجوف، وأن يستقر فيه وهذا مذهب الحنفية.
إذًا أصل المسألة فيما يتصل بما يصل إلى الجوف هل يفطر أو لا يفطر؟
فيه ثلاثة أقوال؛ القول الأول: التفطير مطلقا؛ سواء وصل إلى مجرى الطعام أو الشراب أو إلى غير مجرى الطعام والشراب، عدم التفطير مطلقا، والقول الثالث أنه يفطر بشرطين؛ الشرط الأول: الاستقرار في الجوف، والثاني: أن يغيب فيه، أن يغيب طرفاه، أي طرفا الشيء الداخل إلى الجوف.
وعلى هذا نعرف من خلال كلام الفقهاء المتقدمين ما يتصل به من مسائل، المسائل التي تتصل بما يصل إلى الجوف من طريق الجدار البطني متعددة، منها مناظير للكشف أو العلاج، ومنها ما يعرف بالغسيل البروتيني وهو الغسيل الذي يستعمله مرضى الكلى، وذلك بحقن مواد في داخل البطن في غير مجرى الطعام والشراب، هذه المواد تستعمل لتنقية الدم من السموم، حيث ترشق السموم بهذه المواد المدخلة إلى البطن، ثم تستخرج هذه المواد من البطن، وبه يصفى البدن من السموم التي تكون في الدم.
هذا الإدخال هو عن طريق جدار البطن فهل هذا مفطر؟
مثله أيضًا ما يصل إلى التجويف البطني من الإبر التي تستعمل مثلا لمرضى السكري، فهي إبر تصل إلى التجويف في بعض الأحيان، أو غير ذلك من الإبر الأخرى التي يوصل ما فيها إلى داخل التجويف البطني هل هذا من المفطرات؟
هذا يجري فيه ما تقدم من الخلاف، ففيه ثلاثة أقوال؛ على القول الأول أنه يفطر مطلقا وهو مذهب الحنابلة والشافعية، على القول الثاني أنه لا يفطر مطلقا وهو مذهب المالكية وقول صاحبي أبي حنيفة، والقول الثالث: أنه يفطر على مذهب أبي حنيفة؛ لأن هذه المواد تغيب وتستقر في البطن، فإن كانت لا تغيب كالمناظير يعني على قول أبي حنيفة يفرق بين المنظار الذي يدخل ولا يستقر، إنما يدخل لأجل أن يكشف ثم يخرج، أو يدخل لأجل إجراء عملية استئصال أو تفتيت حصى، أو ما أشبه ذلك ثم يخرج.
المناظير على قول أبي حنيفة لا تفطر لماذا؟ لأنه لا يغيب طرفاها، ثانيًا: لا تستقر في البطن، أما السوائل التي تحقن في البطن لاستخلاص ما فيه من سموم أو لمعالجة أو ما إلى ذلك، هذه تفطر على قول أبي حنيفة، لأنه يغيب طرفاه في الجوف، وثانيًا: يستقر فيه.
وقد صدرت عدة فتاوى من جهات عدة تتعلق بما يصل إلى الجوف، وهل يفطر أو لا يفطر؟ ففي قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي ذكروا في جملة ما لا يعد من المفطرات إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها، وكذلك صدرت الفتوى عن شيخنا محمد العثيمين –رحمه الله-حيث قال: لو أن الإنسان كان له فتحة في بطنه تصور له فتحة في بطنه، وأدخل إلى بطنه شيئًا من طريق هذه الفتحة، فعلى المذهب يفطر على مذهب الحنابلة يفطر بذلك كما لو دوا جائفة.
يقول: والصحيح أنه لا يفطر بذلك إلا أن تجعل الفتحة بدلا عن الفم، بحيث يدخل الطعام والشراب منه لانسداد المريء أو تقرحه، في هذه الحال يفطر؛ لأنه غذاء يقوم مقام الطعام والشراب، وإن كان لا يسمى أكلا ولا شربا، لكنه في معنى الأكل والشرب، مثل: أن يشق فتحة تدخل منها الطعام للمعدة، فهذا من المفطرات على ما ذكر الشيخ –رحمه الله-.
وصدرت فتوى أيضًا عن الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي مصر، قال: وبالجملة في الشرط في المفطر أن يصل إلى الجوف، وأن يستقر فيه، والمراد بذلك أن يدخل إلى الجوف، ولا يكون طرفه خارج الجوف، ولا متصلًا بشيء خارج الجوف، وأن يكون الوصول إلى الجوف من المنافذ المعتادة لا من المسام ولا نحوها من المنافذ التي لم تجر العادة بأن يصل الشيء منها إلى الجوف.
وبه أيضًا صدرت الفتوى عن الشيخ محمد بن مختار السلامي، وجماعة من أهل العلم.
إذًا خلاصة هذه المسألة أن ما يصل إلى الجوف من جدار البطن فيه ما ذكره الفقهاء رحمهم الله من أقوال ثلاثة، والذي عليه فتوى غالب المعاصرين من أهل العلم أنه لا يفطر بهذه المناظير، ولا بهذه المواد التي تحقن في البطن لغسيل الكلى، كما هو معروف فيما يسمى بغسيل الكلى البروتيني، وذكر غسيل الكلى البروتيني لأجل أن يميز عن غسيل الكلى الدموي، لأن غسيل الكلى له نوعان، نحن تكلمنا الآن عن النوع المتصل بحقن المادة في داخل الجوف، أما النوع الثاني سنأتي عليه إن شاء الله تعالى، هذا ما يتصل بحكم ما يصل إلى الجوف من طريق جدار البطن.