وهي مسألة غسيل الكلى ذكرت قبل قليل في مسألة غسيل الكلى أن لغسيل الكلى طريقين؛
الطريق الأول: طريق ما يسمى بالكلية الصناعية، وهي ما يعرف بالديلزة، وهي جهاز يمرر فيه دم الإنسان لتنقيته مما فيه من السموم والرواسب، وبهذا يعلم أن هذه الطريقة الغسيل الدموي يستوجب إخراج الدم من البدن لتنقيته، ثم إعادة هذا الدم إلى البدن ثانيًا بعد تنقيته.
إذًا فيه استخراج، وإدخال فهذا متصل بمسألتين؛ مسألة إخراج الدم من البدن، وهل هو من المفطرات كما في الحجامة؟ ومسألة حقن البدن بالدم النقي، وقد تقدم بيان حكم حقن البدن بالدم، وأنه على الراجح ليس مفطرا، وقول الجمهور أنه مفطر، هذا الطريق للعلماء فيها قولان:
القول الأول: أن الغسيل الكلوي الدموي يفسد الصوم، وبه قال جماعة من أهل العلم، منهم شيخنا عبد العزيز بن باز، وبه قال الشيخ عمر بن عبد الرزاق عفيفي –رحمه الله-، وسوغوا هذا القول، وحجة هذا القول أن فيه استخراج للدم، فهو نظير الحجامة هذا دليل.
الدليل الثاني: أنه يحقن في البدن دم يقويه، وهذا من المفطرات؛ لأنه يقوم مقام الطعام والشراب، هذا الدليل رقم اثنين.
الدليل رقم ثلاثة: أن هذه العملية لا تخلو من زيادة سكريات ومواد للتغذية من إضافة سكريات ومواد للتغذية، فلأجل هذه الأمور الثلاثة فإنه يعد من المفطرات غسيل الكلى الدموي.
أما القول الثاني فقالوا: إنه لا يفطر، وبه قال جماعة من أهل العلم منهم الشيخ يوسف القرضاوي، وجماعة من الباحثين استندوا في عدم التفطير بالغسيل الكلوي الدموي بأنه ليس أكلا ولا شربا، الأصل صحة الصوم، وأنه ليس في معنى الأكل والشرب.
أنت لما ترجح قولًا تمر بمرحلتين، أي قول في أي مسألة علمية فيها خلاف إذا أردت الترجيح تمر بمرحلتين؛ المرحلة الأولى: الاستدلال للقول الذي تنتصر له، والقول الثاني: الإجابة عن أدلة المخالفين، فهم استدلوا بما ذكرنا من أن الأصل صحة الصوم، وأن هذا ليس أكلا ولا شربا، وأنه ليس في معنى الأكل والشرب، بما أجابوا عن أدلة القائلين بالتفطير بالغسيل الكلوي الدموي؟
أجابوا بأن أولا: القياس على الحجامة هو قياس على أصل مختلف فيه، ومن شروط صحة القياس في قول أهل العلم من الأصوليين والفقهاء أن يكون الأصل المقيس عليه متفق عليه، وهذا غير موجود في الحجامة، الحجامة فيها قولان؛ جمهور العلماء على أن الحجامة لا تفطر، وأنها مكروهة للصائم هذا من وجه.
من وجه ثاني: أن قياس إخراج الدم في الغسيل الكلوي على الحجامة قياس مع الفارق، فالحجامة يستخرج الدم ولا يعاد إلى البدن، بخلاف الغسيل الكلوي، فإنه يستخرج ليطيب ويرد إلى البدن فبينهما فرق.
الأمر الثالث: أن الحجامة استخراج الدم بطريق محدد، وهو استعمال المشرط والمحاجم في استخراج الدم، وهذا ليس هو الطريق المتبع في استخراج الدم في الغسيل الكلوي الدموي.
إذًا تبين أن إلحاق هذه الصورة بالحجامة يشكل عليه ثلاثة أمور؛ الأمر الأول: أنه قياس على ما فيه خلاف، والأصل في القياس أن يكون على أصل متفق عليه، الثاني أنه قياس مع الفارق؛ فالدم في الحجامة لا يرد إلى البدن، بخلاف الدم في الغسيل الكلوي، فإنه ينقى ليرد.
الثالث أن الحجامة استخراج الدم بطريق محدد أو بطريق معين، وهذا طريق مخالف لاستخراجه في الغسيل الكلوي، ولهذا الفقهاء يقصرون الفطر في الحجامة باستخراجه بالطريق المعهود الذي يستعمل المحاجم، فلا يفطرون بالفصد ولا يفطرون بالشرط، مع كون الفصد والشرط هما طريقان لاستخراج الدم، وهذا قول جمهور القائلين بالتفطير بالحجامة.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- فهو يرى أن أي طريق لاستخراج الدم يفطر، لأنه موافق للحجامة والحجامة إنما جاء النص عليها في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«أفطر الحاجم والمحجوم»[أخرجه النسائي في سننه(3180)، وأحمد في مسنده(8768)، وصححه الألباني]، لأنه الطريق المعهود في المدينة وفي الحجاز في ذلك الوقت، والمناطق الحارة أو الفصد والشرط هما طريقان لاستخراج الدم في المناطق الباردة، فلذلك يأخذان حكم الحجامة في حين جمهور القائلين بالتفطير بالحجامة لا يلحقون الفصد والشرط بالحجامة، فلا يرون أن الفصل والشرط مما يفطر.
وعليه؛ فهذا أيضًا مما يضاف فيما يشكل على قياس الغسيل استخراج الدم في الغسيل الدموي غسل الكلى الدموي بالحجامة، وبهذا يكون تم لنا الاستدلال، والجواب عن أدلة القول السابق، وهذا هو الراجح من القولين: أن الغسيل الكلوي لا يفطر.
نحن قلنا: إن الغسيل الكلوي له كم طريق؟
أن الغسيل الكلوي له طريقان؛ استخراج الدم وهو ما يعرف بالديلزة، أو الغسيل الكلوي الدموي، والثاني: ما يعرف بالغسيل الكلى البروتيني الذي تكلمنا عنه قبل قليل في مسألة ما يدخل من الجوف من طريق شقوق في البطن، وهو ما يعرف بالغسيل الصفاقي.