قوله -رحمه الله-:"الخامس" أي: من العبادات التي ذكرها المؤلف -رحمه الله- في هذا المختصر الجهاد، والجهاد -كما تقدم- من العلماء مَن يذكره ضمن العبادات كما هو عمل فقهاء الحنفية، وعمل متأخري فقهاء الحنابلة، ومنهم من يجعله ضمن أبواب المعاملات كما هو صنيع فقهاء المالكية والشافعية، والأمر في هذا قريب، فلكل مأخذه فيما ذهب إليه تصنيفًا.
والجهاد في اللغة مأخوذ من الجهد، فالجهاد هو بذل الجهد في قتال الأعداء؛ ولهذا يُعرَّف بأنه بذل الجهد في قتال الكفار، هذا هو الجهاد الذي جاءت النصوص في الكتاب والسنة ببيان فضله، وعظيم أجره، وكبير منزلته، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم :«وَذُرْوَةُسَنَامِهِالْجهَادِفِيسَبِيلاللَّهِ».
وبيَّن المؤلف في بداية كلامه على الجهاد مع من يكون، وأن الجهاد عبادة لها أحكام، وليست مطلقة العنان يفعلها الإنسان بنفسه، بل لا تكون إلا مع إمام.
قوله -رحمه الله-:"مع كل برٍّ وفاجر" وهذا هو الأصل في الجهاد؛ أن الجهاد لا يكون إلا مع إمام، سواء كان بَرًّا، أي: طائعًا مُحسنًا، أو كان فاجرًا بمعنى أنه كان ذا فجورٍ، وتقصيرٍ في طاعة الله عز وجل. وهذا ما عليه عقد أهل السنة والجماعة؛ أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة مع كل بَرٍّ وفاجر، فلا يُشترط في إمام الجهاد أن يكون بَرًّا، بل جرى عمل أهل السنة على قتال الكفار مع كل الأئمة أبرارًا كانوا أو فُجارًا.
ثم قال -رحمه الله- بعد أن بين مُضي الجهاد مع كل إمام على أي حالٍ كان من حيث الطاعة والإحسان.
قوله -رحمه الله-:"وهو فرض كفايةٍ، واجبٌ مع مفاجأة العدو" فبيَّن أن حكم الجهاد ليس على حالٍ واحدة، بل هو على أحوال: فمنه ما هو فرض كفاية، إذا قام به بعض أهل الإسلام حقق المطلوب، فليس مطلوبًا من كل أحدٍ من أهل الإسلام أن يُجاهد، ومنه ما هو فرض عين.
وفرض العين: هو المطلوب من كل أحدٍ من المسلمين بعينه، وفرض العين إنما يكون في أحوال، ذكر منها المؤلف -رحمه الله- حالًا واحدةً؛ إشارةً إلى هذا النوع من الحكم في الجهاد، وهو ما إذا فاجأه العدو، أي: إذا فاجَأ العدوُّ بلدًا من بلدان المسلمين، فإن مَن فاجأهم العدوُّ وجب عليهم دفعُه بما يصون بلاد المسلمين، ويكفي المسلمين شر فجاءة عداوته.
وثمَّة أحوالٌ أخرى ذكرها العلماء –رحمهم الله- لكون الجهاد فرض عين، منها: ما إذا انتدبه الإمام؛ أي: أن ولي الأمر أمره بأن يخرج للقتال، فـهنا يكون فرض عين في حقه، وكذلك فيما إذا حضر الصف، فإنه إذا حضر الصف لم يجز له أن ينصرف، بل يكون الجهاد في حقه مُتعيّنًا، هذه ثلاثة أحوال من الأحوال التي ذكر فيها العلماء وجوب الجهاد على وجه الفرض، أي: أنها تكون فرض عينٍ على المكلف.
وأما الأصل في حكم الجهاد أنه فرض كفاية كما قال رحمه الله، ولذلك قدَّمه ذكرًا حيث قال: "وهو فرض كفاية".
قوله -رحمه الله-:"واجبٌ مع مفاجأة العدو"، ثم بعد ذلك ذكر -رحمه الله- ما يتبين به أحكام الجهاد مُقسمًا الباب إلى أقسام.
قوله -رحمه الله-:"وهو مشتملٌ على مُقاتِل" يعني: أحكام تتعلق بالمُقاتِل.