ثمة أحكام للبيع تناولها المؤلف وفق الأركان التي عدها قبل قليل، فقال: "الأول" أي: من أركان البيع " البائع "، والبائع هو أول طرف من أطراف عقد البيع، وهو مأخوذ من الباع، وهذا يطلق على البائع والمبتاع، مأخوذ من الباع، وهو ما بين يدي الإنسان؛ فإن البائع يمد يده والمشتري يمد يده، ولذلك سُمى هذا العقد بيعًا بمناسبة أن كلا طرفي العقد يمد يده لإعطاء شيء وأخذه، أما ما يتصل بتعريف البائع فهو من يمد يده لتسليم المثمن السلعة المبيع، فمن يمد يده لتسليم المثمن المبيع السلعة فهو بائع.
ذكر المصنِّف رحمه الله جملة من الأوصاف الْمُعتبرة في البائع، فذكر ما يشترط في البائع وجملة ذلك شروط ثلاثة:
الشرط الأول: "أن يكون البائع جائز التصرف" ومعنى جائز التصرف أن يكون البائع نافذ التصرف، جائز هنا بمعنى نافذ، فالجواز هنا ليس حكمًا تكليفيًّا، إنما هو حكم وضعيّ توصيفي، فجائز التصرف هو نافذ التصرف الذي يمضي تصرفه، فلو أن أحدًا مثلًا باع هذا الكرسي هل هو جائز التصرف، هل تصرفه في هذا الكرسي ماضٍ؟ الجواب: لا؛ لأنه لا يملكه، وبالتالي ليس هذا جائز التصرف، فقوله رحمه الله: "أن يكون جائز التصرف" أي أن يكون نافذ التصرف.
قال رحمه الله: "وهو البالغ الرشيد، غير عبد بلا إذن" فعرَّف جائز التصرف بالبالغ الرشيد، البالغ من ظهرت عليه إحدى علامات البلوغ، الرشيد المقصود بالرشيد هنا المتصف بالرشد، وهو من كان صالحًا في التصرف في المال، فالرشد هو الصلاح في المال بأن يدرك مصالح المال وأين يضعه، وكيف يتصرف به، هذا هو الراشد، وقيل في الراشد: هو من كان صالحًا في دينه وماله، ولهذا قال الشافعي رحمه الله، وابن المنذر، وجماعة من الفقهاء؛ قالوا: الرشد: صلاحه في دينه وماله. والصواب أن الصلاح هنا يُقصَد به صلاح في المال؛ لأنه هو المقصود.
فقوله رحمه الله في جائز التصرف: "وهو البالغ الرشيد" أي: الذي يحسن التصرف في المال.
أما دليل ذلك فقوله:﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ النساء: 6 للأيتام، وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه في تفسير الآية: يعني: إن آنستم منهم صلاحًا في أموالهم، وقال ذلك غيره من أهل التفسير.
وقوله رحمه الله:" غير عبد بلا إذن" هذا استثناء ممن يتوفر فيه وصف البلوغ والرشد، لكن لا يصح تصرفه، ولا يُوصَف بأنه جائز التصرف، وهو العبد، وهو المملوك.
قوله رحمه الله: " بلا إذن " لماذا؟ لأن العبد وإن توافر فيه وصف البلوغ والرشد إلا أنه لا يصلح تصرفه؛ لأنه لا يملك؛ فلذلك كان تصرفه موقوفًا على الإذن من سيده، ولذلك قال: "غير عبد بلا إذن".
أما الشرط الثاني من الشروط التي يجب توفرها في البائع: "أن يكون راضيًا" أي: أن يكون راضيًا بما يُبرم من العقد، والتراضي هو أن يأتي بالتصرف اختيارًا، هذا معنى التراضي؛ أن يأتي بالتصرف اختيارًا. دليل اشتراط الرضا قول الله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ النساء: 29 فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ»، يعني: لا يكون البيع مقرًّا ولا مقبولًا إلا بالتراضي، فخرج بذلك الإكراه، لكن العلماء قيدوا ذلك بأن يكون الإكراه بغير حق، فإن كان الإكراه بحق فإن الرضا في هذه الحالة غير مُعتبر.
أما الشرط الثالث الذي ذكره في البائع، فقوله الثالث: "مالكًا أو مأذونًا له في بيعها" وهذا شرط لا بد من توافره في العاقد، وهو أن يكون مالكًا، فيشترط في البائع أن يكون مالكًا لما يبيعه، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم، ويقوم مقام المالك إن أُذن له في التصرف، ولذلك قال: "أو مأذونًا له في بيعها" أي: قد حصّل إذنًا في التصرف بالبيع، والمأذون له ما يخلو له إما أن يكون وكيلًا، وهذا يثبت بالوكالة، وإما أن يكون وليًّا ليتيم ونحوه، وهذا يثبت بالولاية، وإما أن يكون وصيًّا، وهذا يثبت بالوصية، وإما أن يكون ناظرًا، وهذا يثبت بتعيين الواقف.
فالمأذون له واحد من أربعة: إما وكيل أو ولي، أو وصي، وإما ناظر، فهؤلاء يلحقون بالمالك في التصرف إذا كان هذا ممنوحًا لهم.
ما معنى ناظر ؟ وما معنى يثبت بتعيين الواقف ؟