قوله رحمه الله: "الثالث" من مصير المال إلى الغير من غير معاوضة "الغصْب"، وهو محرّم بالاتفاق، فتحريمه ثابتٌ في الكتاب والسنّة، وعليه إجماع علماء الأمة.
قال المؤلف رحمه الله: "الغصْب كل من غصب مالًا محترمًا ممن حرُم عليه قتله أو كان منتقلًا إلى من حرُم عليه قتله وجب عليه رده".
عرّفه بالحُكم، وقد عرّفه جماعة من الفقهاء بعدّة تعريفات، أسد هذه التعريفات أن الغصْب هو استيلاء غير حربي على حق غيره قهرًا بغير حق، فخرج بـ(استيلاء غير الحربي) استيلاء الحربي، وخرج بقوله: "على حق غيره قهرًا" فيما إذا استولى عليه من غير قهر، وخرج بقوله: "بغير حق" إذا استولى على حق غيره قهرًا بحق، فإنه لا يُوصف بأنه غصْبٌ، وقد قيل فيه جملة من التعريفات: الاستيلاء على حق غيره قهرًا.
وقولهم رحمهم الله في التعريف: استيلاء غير حربي على حقّ غيره، الحقّ هنا يشمل الأعيان، الأملاك والاختصاصات، سواء كان مالًا أو مختصًّا، وذلك جلي في قوله رحمه الله في التعريف.
قال رحمه الله: "كل من غصب مالًا محترمًا ممن حرُم عليه قتله" أي: معصوم الدم، فيقال: كل من غصب مالًا محترمًا من معصوم؛ كان أخصر.
والمعصوم هو المسلم والذمّي والمعاهَد والمستأمِن، هؤلاء أربعة كلهم معصومو الدم، يدخلون في قول: من حرُم عليه قتله، فإذا غصب مالًا محترمًا لهؤلاء فإنه يكون بذلك غاصبًا.
وقوله رحمه الله: "مالًا محترمًا" خرج به المال غير المحترم، فخمر الذمّي على سبيل المثال فإنها ليست محترمة، وإن كان يعدها مالًا، وكالصلبان فإنها غير محترمة، لكنها تعتبر مالًا، فإذا أخذت منه كانت غير مضمونة على هذا القيد.
وقال بعض أهل العلم: إن هذا مضمون إذا أخذ في حال وضع يد الذمّي عليها؛ فيما يجوز له أن يضع يده عليها، كأن تكون خمرًا مستورة في بيته، أو صلبانًا لم يظهرها، فإنه لا يجوز غصْبها، وإذا غُصبت وجب ردّها إليه، لكن هذا لا يُستفاد من قوله: "مالًا محترمًا"، إنما يُستفاد من قوله: "أو كان منتقلًا إلى من حرم عليه قتله".
"أو كان منتقلًا" يعني مما لا يُوصف بأنه محترم، لكن تقرّ يد صاحبه عليه، فإنه في هذه الحال لا يجوز غصبه، ومن غصبه وجب عليه أن يرده إلى صاحبه، فالمؤلف -رحمه الله- ذكر فيما يتصل بالغصْب غصْب المال المعصوم، ويدخل في هذا المال مال المسلم، ومال المعاهَد، ومال الذمّي، ومال المستأمِن.
والثاني مما ذكره المؤلف رحمه الله: ما كان مختصًّا، وهذا مستفاد من قوله: "أو كان منتقلًا إلى من حرُم عليه قتله" وهو من يستحقه من يده، عليه الانتفاع به ولو لم يكن مالًا محترمًا؛ ككلب الحراسة مثلًا، و كخمر الذمّي، وكالصلبان عند الذمّي في حال سترها، فإنه لا يجوز غصْبها، وإذا غُصبت وَجَبَ ردّها، فيجري فيها ما ذكر المؤلف رحمه الله في قوله هنا: "وَجَبَ عليه ردّه، وضمنه بالتلف"، والضمان هنا واضح فيما إذا كان مالًا محترمًا، وأما إذا لم يكن محترمًا فالضمان وقع فيه خلاف كيف يضمن مثل هذا.
قال: "وكذلك يضمن أجزاءه إذا لم يكن محرَّمًا" أي: يضمن أجزاء المال إذا أتلفه إذا لم يكن محرّمًا، والمقصود أن من طرق تحصيل المال بغير عوض الغصْب، لكن طريق مباح أو محرّم؟ طريق محرّم.