قوله رحمه الله: "والمال" هذا الصنف الثاني من الْمُزكَّى؛ حيث قسمه إلى قسمين:
القسم الأول: النفس، وتقدم، وهي زكاة الفطر.
القسم الثاني: المال.
قوله رحمه الله: "والمال" الأصل في المال أنه يُطلق على كل ما يُتمول، أي: كل ما يُتخذ مالًا على أي صفةٍ كان، والله تعالى قد أمر بأخذ الزكاة من المال فقال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ التوبة: 103.
ونصَّ سبحانه على نوعين من المال في وجوب إخراج الزكاة، فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ﴾ التوبة: 35.
وكذلك قال في الحبوب: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ الأنعام: 141 فأثبت في الحصاد حقًّا.
ففرض الله تعالى الزكاة في كل الأموال فيما يُفهم من قوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ التوبة: 103 فقوله: ﴿أَمْوَالِهِمْ﴾ التوبة: 103 جمعٌ مضاف يُفيد العموم، لكن السنة بيَّنت أن الزكاة لا تجب في كل المال، بل تجب في أموالٍ محددةٍ معينة، وهي ما ذكره المصنف – رحمه الله – هنا.
قال رحمه الله: "أربعة أنواع"، فالأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة، وليست كل مالٍ، وهذه الأربعة ترجع إليها أموال الناس التي فرض الله - عز وجل - فيها الزكاة.
أول ذلك بهيمة الأنعام، وإنما يذكرها العلماء - رحمهم الله - في مقدم ما يذكرونه من زكاة الأموال؛ لأنها الأكثر في الزمن السابق؛ جريًا على عادتهم في البداءة بالأهم ثم المهم.
قوله رحمه الله: "من المال السائمة" أي: مما تجب الزكاة فيه السائمة، والسائمة هي التي ترعى المباح من الأرض، واختلفوا في السوم؛ فجمهور العلماء على أن السوم المؤثر هو ما كان الحول أو أكثره، يعني: ترعى السنة كاملةً أو أكثر سنة، وهذا ما عليه الجمهور، خلافًا للإمام الشافعي حيث اشترط أن تكون سائمةً جميع الحول.
قوله رحمه الله: "من بهيمة الأنعام"، فـ(مِن) هنا بيانية؛ لبيان الذي تجب فيه الزكاة من السوائم، فليس كل سائمةٍ تجب فيها الزكاة، الخيل تسوم، وسائر ما يملكه الناس من الحيوان قد يسوم؛ أي: يرعى ويأكل من المباح، من الحشائش والأشجار، لكن لا تجب الزكاة في السائمة إلا في بهيمة الأنعام.
وبهيمة الأنعام: اسمٌ يُطلق على ثلاثة أصنافٍ من الحيوان؛ وهي: الإبل، والبقر، والغنم، ولذلك سماها في:
قوله رحمه الله: "وهي الإبل، والبقر، والغنم".
والسائمة لها أحوال:
- إما أن تكون السائمة مملوكة للدر والنسل: فهذه تجب فيها الزكاة بالاتفاق إذا سامت الحول أو أكثره، وعلى قول الشافعي إذا سامت كل الحول.
- وإما أن تكون من العوامل: أي السائمة التي تُستعمل في الزراعة أو في الارتحال أو نحو ذلك، فظاهر كلام المؤلف – رحمه الله - أنه تجب فيها الزكاة؛ لأنه لم يُفصِّل، ولكن الذي عليه الجمهور أن السائمة العوامل لا زكاة فيها، خلافًا لمذهب مالك رحمه الله، حيث أوجب الزكاة في السائمة مطلقًا.
قوله رحمه الله:"ففي خمسٍ من الإبل شاة"بدأ بالإبل؛ لأنه أشرف أموال العرب. أي: إذا ملك خمسًا من الإبل سائمة وجب عليه فيها شاةٌ، وهنا الزكاة تجب من غير جنس المال، خلافًا للأصل؛ لأن الأصل أن الزكاة تجب من جنس المال، لكن هنا أوجبها من غير جنس المال تخفيفًا.
قوله رحمه الله:"وفي كل خمسٍ شاةٌ إلى خمسٍ وعشرين" فإذا بلغت هذا المبلغ فتجب بنت مخاض إلى خمسٍ وثلاثين، فمن ست وعشرين إلى خمس وثلاثين تجب بنت مخاض، وبنت مخاض هي التي لها سنة من الإبل، وسميت بهذا لأن أمها قد حملت غالبًا.
قوله رحمه الله:"فإذا بلغت ستا وثلاثين بنت لبون" إلى خمسٍ وأربعين. وبنت اللبون: ما له سنتان.
قوله رحمه الله:"ثم إلى ست وأربعين حِقة" والحِقة: ما له ثلاث سنين، وسُميت حِقة لأنها استحقت أن يُحمل عليها، وأن يطرقها الفحل، ولذلك سُميت حِقة.
قوله رحمه الله: "ثم إلى إحدى وستين تجب فيها جذعة"، وهي ما له أربع سنوات، وسُميت جذعة؛ لأنه قد سقط بعض أسنانها، فسُميت جذعة، وهذا أعلى ما يجب في زكاة الإبل من السنين؛ بنت مخاض أول الفروض من جنس الإبل، ثم بنت لبون، ثم حِقة، ثم جذعة.
قوله رحمه الله: "إلى ست وسبعين، فتجب ابنتا لبون، ثم إلى إحدى وتسعين فتجب حِقتان إلى مائةٍ وإحدى وعشرين، فتجب ثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حِقة"، والأصل في هذا كتاب أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - في فرض الصدقات، وقد رواه البخاري وغيره من حديث أنس رضي الله تعالى عنه.
قوله رحمه الله: "وفي البقر في كل ثلاثين تبيعٌ أو تبيعة" التبيع ما له سنة، أو تبيعة.
قوله رحمه الله: "وفي كل أربعين مسنة" أي: ما بلغت أعلى من ذلك سنًّا، وهي سنتان. والأصل فيه حديث معاذ، وقد اتفق العلماء على هذا المعنى إلا خلافًا شاذًّا من حيث ما يتعلق بالعدد؛ فقد قيل: إنه في كل خمسين تبيعٌ، والصواب ما عليه الجمهور ممن استند إلى حديث معاذ رضي الله تعالى عنه.
قوله رحمه الله: "وفي الغنم في الأربعين شاةً شاةٌ"، أي: في أربعين شاةً شاةٌ واحدة.
قوله رحمه الله: "إلى مائة وإحدى وعشرين شاتان، إلى مائتين وواحدة ثلاث شياه، ثم في كل مائة شاة"وكل هذا التفصيل جاء بالنص في حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - في الكتاب الذي كتبه أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - في بيان فرائض الصدقة في بهيمة الأنعام.