قوله رحمه الله: "والأثمان" هذا النوع الثاني من أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة، وهي الأثمان، والأثمان جمع ثمن، والأصل في الأثمان أنها تُطلَق على كل ما يتخذه الناس ثمنًا في بياعاتهم ومعاوضاتهم. إلا أن الفقهاء يقصرون ذلك على الذهب والفضة، ولذلك يقول بعضهم: زكاة النقدين، والمقصود بالنقدين الذهب والفضة؛ لأنها أصل الأثمان.
ولكن ما عداها؛ كالفلوس - أي: العملة المعدنية من غير الذهب والفضة في الزمان المعاصر - فقد اختلفوا في إلحاقه بالذهب والفضة؛ فالإجماع منعقدٌ على وجوبها في الذهب والفضة، واختلفوا فيما يقوم مقام الذهب والفضة من الفلوس وهي العملات المعدنية، وكذلك العملات الورقية؛ هل تجب فيه الزكاة أو لا؟
قوله رحمه الله: "فتجب" أي: الزكاة في الذهب والفضة.
قوله رحمه الله: "في كل عشرين مثقالًا" أي: من الذهب.
قوله رحمه الله: "فيجب فيها نصف مثقال"، فنصاب الذهب عشرون مثقالًا، وهو بقدر خمسة وثمانين غرامًا من الذهب في الوزن المعاصر، فإذا ملك الإنسان خمسة وثمانين غرامًا من الذهب، فإنه قد ملك مالًا تجب فيه الزكاة. فهذا القدر يجب فيه نصف مثقال وهو ربع العشر، والمثقال من حيث الوزن أربعة غرامات وربع من الذهب في الوزن المعاصر، فإذا ضُربت أربعة غرامات وربع غرام في عشرين يكون النصاب خمسةً وثمانين غرامًا من الذهب بالوزن المعاصر.
قوله رحمه الله: "في مائتي درهم" أي: في مائتي قطعة من عملات الفضة، فالدراهم من الفضة، والمثاقيل من الذهب، وهي الدنانير.
قوله رحمه الله: "خمسة دراهم" وهي ربع العُشر أيضًا. ونصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون غرامًا بالوزن المعاصر، بقدر ما ذكره في هذا، وهي مائتا درهم.
والأصل في هذا ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: «ليس فيما دون خَمْسِ أواقٍ صَدَقَة»، وخمس أواقٍ أي: مائتا درهم؛ لأن الأوقية أربعون درهمًا، وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة».
قوله رحمه الله: "وفي الركاز - دفن الجاهلية -: الخمس"؛ ذكر الركاز بعد النقدين لأنه غالبًا ما يكون الركاز من الذهب أو الفضة، وإلا فحقه أن يؤخَّر؛ لأنه ليس زكاةً ولا يجب فيه نصاب، ولا يُصرف مصرف الزكاة، لكن ذكره لمناسبته، حيث تكلم عن الأثمان فاستوفى ما يتعلق بها من الحقوق المالية فذكر الركاز، والركاز هو ما وُجِد من دفن الجاهلية. ودفن أي: مدفون الجاهلية، فما وُجد مدفونًا من الكنوز من أموال الكفار فإنه ركاز يجب فيه الخُمس؛ ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وفي الرِّكَازِ الخُمُسُ».
ولا خلاف بين العلماء في هذا المعنى إلا ما نُقل عن الحسن البصري، فإنه فرَّق بين ما يوجد في أرض الحرب، وما يوجد في أرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخُمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة، لكن قوله مردود بالحديث.
وأما الركاز فإنه في قول جمهور العلماء يشمل كل أنواع المال، ولذلك الركاز الذي فيه الخُمس كل ما كان مالًا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة، والحديد، والرَّصاص، والصُّفر، والآنية وغير ذلك.
والشافعي - رحمه الله - له قول وافق فيه الجمهور، وانفرد بقول آخر قصر فيه الركاز على الذهب والفضة فقط. والصواب ما عليه الجمهور من أن الركاز دفن الجاهلية من أي نوع كان المال؛ سواء من ذهب، أو فضة، أو معادن، أو ألماس، أو ما إلى ذلك مما يدفَن، ولكن لا بد أن يظهر فيه علامة أنه من مال الكفار، فإن كان عليه ما يدل على أنه من أموال المسلمين فهو لُقَطَة؛ أي: إذا ظهر فيه ما يدل على أنه كنز لمسلم، أو مال لمسلم، فإنه يكون لقطة ولا يكون ركازًا؛ لأن الركاز يُشترط فيه أن يكون من دفن الجاهلية؛ أي: من أموال أهل الكفر.
والواجب فيه الخُمُس؛ أي: يقدِّر ما حصله من الركاز، وإما أن يخرج الخُمُس من عينه، أو يُخرِج الخُمُس من قيمته إذا كان في إخراجه من عينه مشقة.