"الثالث: قول الله تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل:116].
وجه الدلالة: أن الله تعالى أنكر على الذين يحلِّلون ويحرِّمون من غير برهان، وجعله افتراءً عليه؛ إذْ إِنَّ التحريم ليس إلينا، ومن حقوق الرب جلَّ شأنه".
وعليه قالوا: إن قولكم: إن الأصل في المعاملات الحل والإباحة هذا مما يندرج في قوله: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ﴾ [النحل:116] والجواب عن هذا ما ذكره في المناقشة.
قال:
"نوقش هذا بأن الله أنكر على من أحلَّ وحرَّم من غير دليل، أمَّا من قال هذا حلال، وهذا حرام، مُستندًا إلى النصوص عمومها، أو خصوصها، فإنه غير داخل في هذه الآية.
والقائلون بأن الأصل في المعاملات الإباحة، استندوا في قولهم إلى أدلة من الكتاب والسُنَّة، والنظر، فليس هذا من افتراء الكذب على الله".
ما الدليل على ما ذكر؟ يقول: نوقش بأن الله أنكر على من أحلَّ وحرَّم من غير دليل، من أين نستفيد هذا القيد "من غير دليل" في الآية؟ ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ﴾ [النحل: 116] هذا موضع الاستدلال، ما تصفه الألسنة أي الذي تقولونه بألسنتكم، والقول باللسان معناه أنه قول بغير برهان، قول بغير دليل، قول بغير حُجة، وما كان كذلك؛ فإنه لا يُصار إليه.
لكن لو كان هذا القول مُستندًا إلى دليل من الكتاب والسُنَّة؛ فإنه لا يُوصف بأنه يصفه اللسان؛ لأن وصف اللسان عارٍ عن الحُجَّة والبرهان، هذا وجه الدلالة في الآية؛ ولذلك هذا دليل عليهم أم لهم؟ هذا دليل عليهم، يُقال لهم: أين في كتاب الله؟ أين في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأصل في المعاملات التحريم؟ فهذا عكس للدليل، وقلب للدليل عليهم.