ولهذا ينبه قال: "ومما ينبغي ملاحظته" حتى تسلم من الخطأ في استعمال هذه القاعدة، والاستدلال بها، تنبَّه إلى هذا التنبيه يقول:
"ومما ينبغي ملاحظته في إعمال هذا الأصل: التحقق من عدم وجود ما يوجب التحريم؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإذا ظهر أن لعدم تحريم العقود والشروط جملةً وصحتها أصلان: الأدلة الشرعية العامة، والأدلة العقلية التي هي الاستصحاب، وانتفاء المُحرَّم، فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة، أي: إن الأصل في العقود والشروط الإباحة في أنواع المسائل، وأعيانها".
انتبه هذا كلام مهم جدًّا، وهذا من عالم متمرس في أحكام المعاملات، وواعٍ بمقاصد الشريعة في هذا الباب، وفي غيره، يقول: كونك رجَّحت أن الأصل في المعاملات الحل، لا يسوِّغ أن تستعمل هذه القاعدة في كل مسألة ترد، دون استيفاء النظر فيما يتعلق بموجبات التحريم، فإنه مزلة قدم؛ ولهذا بعض من تقصُر همته، ويضعف عن النظر مباشرة، يقول: الأصل في المعاملات الحل، الأصل في المعاملات الحل... في كل معاملة ترد عليه، مع وجود أسباب للتحريم هو غافل عنها، أو لم يفتش عنها، أو لم يقف عندها، وبالتالي يقع في الزلل، والخطأ في الحكم، لا لأنه استند إلى القاعدة، لكنه أخطأ في تفعيلها.
وهذه المسألة تتكرر في قواعد كثيرة، الخطأ ليس في أصل القاعدة، إنما في تنزيلها، يقول رحمه الله: "فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة" يعني بمقتضاها، وهو أن الأصل في العقود والشروط الإباحة في أنواع المسائل، وأعيانها، "إلا" انتبه لما بعد "إلا" فإن الصيد في جوف الفرا، في هذا الاستثناء، يقول رحمه الله:
"إلا بعد الاجتهاد في خصوص ذلك النوع، أو المسألة، هل ورد من الأدلة الشرعية ما يقتضي التحريم أم لا؟".
يعني التفتيش عن أسباب التحريم في المعاملة، هل هي موجودة أو لا؟
إذا سلمت المعاملة من أسباب التحريم، فأَعْمِل الأصل، لكن أن تُعمل الأصل دون النظر في أسباب التحريم، هذا خطأ.
فلو جاء الشخص يسأل: ما حكم المعاملة الفلانية مثلًا؟
أنت لا يسوغ لك أن تقول: حرام، لكن لا تقل: حلال حتى تتأكد من أنه لا يوجد فيها سبب من أسباب التحريم، اتضح هذا التنبيه؟
هذه من المهمات في تفعيل هذه القاعدة، ومن مواطن الخطأ في العمل بهذه القاعدة؛ العمل بموجبها دون النظر إلى قيودها المهمة، وهو التفتيش عن أسباب التحريم، هذا هو الأصل الأول الذي بدأ المؤلف-رحمه الله-هذا الكتاب به، وهو أصول في المعاملات المالية المعاصرة.
الأصول المتبقية هي موجبات التحريم في العقود، ولذلك قدَّم هذا الأصل؛ لأنه هو الذي يُبدأ به، ثم لا يُعمل هذا الأصل حتى تتأكد من سلامته من بقية أسباب التحريم، وهي ما تضمنته الأصول المتبقية.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.