"المطلب الثالث: تطبيقات على الظلم في المعاملات المالية المعاصرة:
لمَّا كان تحريمُ الظلم، هو الأصل الجامع لجميع أسباب التحريم في المعاملات، فإنَّ الناظر في المعاملات الماليَّة المعاصرة، يجد أنَّ سبب التحريم في كثير منها اشتمالُها على الظُّلم. ولهذا أمثلة كثيرة؛ منها ما يلي:
أولًا: منعُ بعض صور عقد الإجارة المنتهية بالتَّمليك؛ حيث ذكروا في أدلة التحريم اشتمالَ العقد على ظلم، ففي قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، حول عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، وهو أول قرار جماعي حول هذه المعاملة جاء في القرار ما يلي: "أنَّ هذا العقد غيرُ جائز شرعًا"، وقد ذكروا لذلك عدة أسباب، منها اشتماله على الظُّلم، حيث جاء في القرار في بيان أوجه التَّحريم: "ولا يخفَى ما في هذا من الظُّلم والإلجاء إلى الاستدانة، لإيفاء القسط الأخير".
هذه الصورة الأولى والتطبيق الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله من صور المعاملات المعاصرة التي مُنعت من أجل ما فيها من الظلم، وهي عقد الإيجار المنتهي بالتمليك.
عقد الإيجار المنتهي بالتمليك هو من العقود المعاصرة الحديثة، وصورته أن يستأجر الإنسان عينًا، ويكون بينه وبين المؤجر مواعدة بالبيع في نهاية عقد الإجارة، وهذا العقد عندما ورد في أول وروده إلى السوق المالية، ورد على صورة عُرضت على هيئة كبار العلماء فأصدرت الهيئة قرارًا بتحريم هذه الصورة؛ لما تضمنته من الظلم.
وهذا ما أشار إليه المؤلف فيما نقله؛ حيث قال فيما يتعلق بالقرار: جاء في القرار ما يلي؛ أن هذا العقد غير جائز، عقد الإيجار المنتهي بالتمليك في صورته الأولى التي وردت على السوق المالية، وقد ذكروا لذلك عدة أسباب؛ منها: اشتمال العقد على الظلم؛ حيث جاء في القرار في بيان أوجه التحريم: "ولا يخفَى ما في هذا" أي: العقد "من الظُّلم والإلجاء إلى الاستدانة، لإيفاء القسط الأخير"؛ فعلَّل القرار تحريم هذه المعاملة بعدة علل؛ منها ما تضمنه من ظلم المستأجر؛ إذ إن المستأجر الذي يؤمِّل تملك العين قد تضيق به الحال في نهاية العقد، فلا يتمكن من دفع القسط الإيجاري الأخير فيكون ذلك مفوتًا له ما وُعد به من تملك، فيحمله على الاقتراض لأجل إيفاء القسط الأخير الذي به يستحق الوعد الذي وُعد به من التملك.
وهذا كما ذكرت كان موجودًا في الصورة الأولى، التي جرى بها التعامل في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك.
لكن بعد القرار الصادر من الهيئة، جرى في عقود الإجارة المنتهية بالتمليك مراجعات عدة، وتعديلات كثيرة، حتى انبثق من هذه المراجعات صور عديدة، ومنها ما هو جائز، وهو غالب المستعمل في السوق الآن، فإن غالب المُستعمل في السوق الآن عقود إجارة منتهية بالتمليك، لا تشتمل على المحاذير التي أوجبت التحريم فيما سبق من قرار صدر عن هيئة كبار العلماء.
ولهذا صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة العالم الإسلامي بجدة، قرار بالتفصيل؛ بمنع الصور المتضمنة للمعاني المحرمة التي نص عليها قرار هيئة كبار العلماء، والإذن بالصور الخالية من تلك المحاذير.
ولما كان كثير من الناس قد لا يعي الفرق بين الحلال والحرام في مثل هذه المعاملة، فإن الأصل إجراءها على الصحة، وإذا وُجد نزاع أو خلاف فالمرجع في ذلك إلى القضاء للفصل في هذه الصورة من حيث الحل والحرمة؛ وذلك أن صورة الإجارة المنتهية بالتمليك جرى عليها من التعديل ما أذهب كثيرًا من أسباب التحريم.
لكن بعض الشركات ما زال عندها شيء من الشروط التي توجب التحريم من ظلم أو غرر أو نحو ذلك، فمثل هذه العقود تراجَع من قِبل المقبل على العقد إنْ تمكَّن من معرفة الحلال والحرام، وإذا لم يتمكن وبنى على أنها صورة مباحة، ثم وقع نزاع بينه وبين الجهة المؤجرة، فالفصل في ذلك إلى القضاء؛ فإنه يفصل في هذه المسائل إما بإعادة العقد إلى بيع أو بإعادته إلى إجارة حسب ما يراه القاضي.