أصول في المعاملات المالية

من 2017-05-26 وحتى 2017-06-23
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1919

التاريخ : 2017-11-19 03:31:33


"ثانيًا: أن يُمكِنَ التَّحرُّزُ من الغرر، دون حرجٍ ومشقة".

هذا الضابط الثاني من الضوابط في الغرر المؤثِّر: أن يمكن التحرز منه، فإن كان لا يمكن أن يتحرز منه فإنه لا إشكال فيه.

يقول في تفصيل هذا الضابط:

"فقد أجمع أهلُ العلم، على أنَّ ما لا يمكن التَّحرُّز فيه من الغرر إلا بمشقَّة، كالغرر الحاصل في أساسات الجدران، وداخل بطون الحيوان، أو آخر الثمار التي بدا صلاحُ بعضها دونَ بعض، فإنَّه مما يُتسامح فيه، ويُعفى عنه".

فكل ما لا يمكن التحرُّز منه من الغرر فهو مأذونٌ فيه، فإن كان يمكن أن يتحرَّز منه فإنه غررٌ مؤثر.

  

"ثالثًا: ألا تدعو إلى الغرر حاجةٌ عامَّة:

فإنَّ الحاجات العامة تُنزَّل منزلة الضرورات، قال الجويني: ((الحاجة في حقِّ النَّاس كافَّة تُنزَّل منزلةَ الضرورة))، وضابط هذه الحاجة، هي كلُّ ما لو تركه الناس لتضرَّروا في الحال، أو المآل، فإذا دعت حاجة الناس إلى معاملةٍ فيها غررٌ لا تتم إلا به؛ فإنه يكون من الغرر المعفوِّ عنه، قال ابن رشد في ضابط الغرر غير المؤثِّر: ((وإنَّ غير المؤثِّر هو اليسير، أو الذي تدعو إليه ضرورةٌ، أو ما جمع بين أمرين))، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والشارع لا يُحَرِّم ما يحتاج الناس إليه، من البيع، لأجل نوعٍ من الغرر، بل يُبيح ما يُحتاج إليه من ذلك)).

ومما استدلَّ به أهلُ العلم على إباحة ما تدعو الحاجة إليه من الغرر: أحاديثُ النَّهي عن بيع الثِّمار حتى يبدو صلاحها، ومنها حديث ابن عمر، -رضي الله عنهما-: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ» أخرجه البخاري (2194)، ومسلم (1534) .

ووجه الدلالة: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أرخص في ابتياع ثمر النَّخل بعد بدوِّ صلاحها مُبْقاةً إلى كمال صلاحه، وإن كان بعض أجزائها لم يُخلَق، فدلَّ ذلك على إباحة ما تدعو إليه الحاجة من الغرر".

إذًا ما لا تدعو إليه الحاجة العامة من الغرر فإنه لا يؤذَن فيه، وكل ما دعت إليه الحاجة من الغرر فإنه يؤذن فيه.

هذه هي القاعدة في بيان الغرر المؤثر تحريمًا، أو الغرر المأذون فيه شرعًا في المعاملات.

  

"رابعًا: أن يكون الغررُ أصلًا غيرَ تابع:

فإنَّ الغرر التابع مما يُعفى عنه؛ لأنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان دليل ذلك: ((وجوَّز النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا باع نخلًا قد أُبِّرت أن يَشترط المبتاعُ ثمرتها، فيكون قد اشترى ثمرةً قبل بُدوِّ صلاحها، لكن على وجه التَّبع للأصل، فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضِمنًا وتبعًا، ما لا يجوز من غيره))".

فشراء الثمرة قبل بدو صلاحها محرَّم؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم في حديث عبد الله بن عمر: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ».

لكن لو باع بستانًا فيه نخل والنخل فيه ثمر لم يَبْدُ صلاحه، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز لماذا؟ لأن الثمر مع أنه داخلٌ في البيع تابع.

ومثله أيضًا بيع الشاة الحامل، لو جاء من يشتري حمل الشاة، عندك شاة وبعت حملها هل يجوز بيع حملها؟ الجواب: لا؛ لأنه غرر، فقد يحصل وقد لا يحصل، ولا تُعْلَم حقيقته ذكر أو أنثى، ولا يُعْلَم صلاحه من عدمه، فهو مجهول، لكن لو بعت شاةً حاملًا يجوز أو لا يجوز؟ مع أن الحمل سيؤثر في الثمن زيادة.

فبيع الشاة الحائل أقل ثمنًا من بيع الشاة الحامل، لكن هذا جاء تابعًا؛ فافترق الحكم هنا في الغرر بين أن يكون تابعًا وبين أن يكون أصليًّا، فما كان تابعًا فإنه غير مؤثِّر، وما كان أصليًّا فإن الشريعة تمنعه.

إذًا الآن خلاصة ما ذكر المؤلف من الأوصاف المؤثرة في الغرر أنها أربعة أوصاف، هذه الأوصاف يمكن أن يُعَبَّر عنها بأنها أوصاف الغرر المؤثر، ويمكن أن يُعَبَّر عنها بصورةٍ أخرى ويُقال: ما هي أوصاف الغرر المعفو عنه؟ الغرر المعفو عنه، يمكن أن تقول: ما هو الغرر الممنوع في المعاملات؟ ويمكن أن تقول: ما هو الغرر المعفو عنه؟

فإذا قلت: ما هو الغرر الممنوع في المعاملات؟ جئت بما ذكر المؤلف:

أولًا: أن يكون الغررُ كثيرًا غالبًا على العقد، هذا الغرر المؤثِّر، هذا الوصف الأول.

ثانيًا: أن يمكِنَ التَّحرُّزُ منه دون مشقة.

ثالثًا: ألاَّ تدعو إلى الغرر حاجةٌ عامَّة.

رابعًا: أن يكون الغررُ أصلًا غيرَ تابع.

هذا يمكن أن يُعْبَّر عنه بأنه غرر مؤثر، وهذا يجري في بعض كلام العلماء.

  

فإن قيل: ما هو الغرر المعفو عنه في الشريعة؟

فتقول: الغرر المعفو عنه في الشريعة:

1)    ما كان يسيرًا غير غالب.

2)    ما كان تابعًا غير أصلي.

3)    ما دعت إليه حاجةٌ عامة.

4)    ما لا يمكن التحرُّز منه.

والخلاصة: هو بيان ما لا يؤثِّر من الغرر تحريمًا في المعاملات، إذا وُجِد واحد من هذه الأوصاف الأربعة فإنه غررٌ غير مؤثِّر، وهو غررٌ معفو عنه، وبالتالي لابد أن يُعْلَم أنه ليس كل غرر يُحَرِّم في المعاملات؛ ولهذا السبب إذا نظرت إلى التطبيقات التي ذكرها العلماء في الغرر، وما يتعلق به في المعاملات المعاصرة، فهِمْتَ أن سبب اختلافهم في الغرر هو خلافهم في: هل هذا غرر مؤثِّر أو غير مؤثِّر؟

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق