المؤلف رحمه الله ذكر هذا لأن بعض أهل العلم قال: إن الصوم لا يؤخذ منه يوم القيامة في حقوق العباد. لذلك جاء المصنف رحمه الله بهذا الباب، بعد الباب الذي قبله؛ لبيان أن الصوم كفارة للسيئات، وأنه يدخل في الحساب والمقاصَّة بين الناس، فهو كسائر العمل لا خصوصية له في ذلك.
فمن فضائل الصيام أنه يكفر الخطايا، وهذا جاء في صوم رمضان وفي غيره، فأما في صوم رمضان فقد جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» مسلم (233).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» البخاري (38)، ومسلم (759).
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صيام يوم عرفة، فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» وسئل عن صيام عاشوراء فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ» مسلم (1162).
فدل ذلك على أن الصيام كفارة، وهذا محل اتفاق أنه يكفر الله تعالى به الخطايا، لكن الخلاف فيما يتعلق بـ: هل يدخل في المقاصة بين الناس يوم القيامة في الحساب أو لا؟
من العلماء من يقول: إن الصوم لا يدخل في المقاصة، بل يُقتص من كل عمل إلا الصوم، واستدلوا لذلك بقوله: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ».
وجاءت أحاديث بأن العمل يدخل في المقاصة إلا الصوم، لكن لم يثبت في ذلك حديث، والثابت خلاف هذا.