أما العمل بالحساب فجماهير علماء الأمة على أنه لا يُعدَل عن الرؤية إلى الحساب، بأن يُعتمد الحساب وتُترك الرؤية، خلافًا لبعض الطوائف والفِرق التي تعتمد الحساب. قال ابن حجر: "خلافًا للروافض"، بهذا النص، فإنهم يعتمدون الحساب. قال ابن حجر: "وقد وافقهم بعض الفقهاء" أي: في اعتماد الحساب، لكن هذا بالنسبة لأهل السنة قول شاذ، خلاف ما عليه الجماهير.
وينبغي أن يُعلم أن الحساب لا يصلح في الإثبات، لكنه يصلح في النفي؛ على أصح قولي العلماء، بمعنى أنه إذا أَخبر أهلُ الفلك بأن الهلال لا يُرى، أي: لا يُولد إلا بعد مغيب الشمس، فإذا كان الهلال لا يولد إلا بعد مغيب الشمس فإنه لا يمكن الرؤية؛ لأن رؤية الهلال عبارة عن تأخر القمر بعد غروب الشمس لمدة وجيزة، يمكن أن ينعكس ضوء الشمس على القمر فيُرى الهلال، هذه حقيقة الهلال، الهلال عبارة عن انعكاس ضوء الشمس على القمر بعد مغيب الشمس، فإذا أخبر أهل الفلك الثقات بأن القمر سيغيب قبل غروب الشمس؛ عند ذلك يستحيل أن يُرَى الهلال، لا يمكن أن يرى الهلال، فلو شهد من شهد بأنه رأى الهلال نقول له: أنت واهم؛ لأنه لا يكون هلال عند ذلك.
وهذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين رحمه الله؛ أن الحساب يستفاد منه في نفي الرؤية، لا في إثباتها، بمعنى أنه لا يقال: إن الشهر تسعة وعشرون بناءً على أن مدة تأخر غياب القمر بعد الشمس مدة يمكن أن يرى فيها؛ إذن نثبت الشهر. هنا لا يصلح؛ لأنه قد قال: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فعلق الأمر بالرؤية، ثم قال: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ - أَوْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ - فَاقْدُرُوا لَهُ»، فعند ذلك نصير إلى التقدير. وبَيَّنَ ما معنى التقدير والحساب، قال: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» لم يقل: اذهبوا للحساب.
فهذا هو القول الراجح في هذه المسألة، وهي مسألة تتكرر إشكاليتها كل عام، والناس فيها طرفان: طرف يقول: الحساب هذا لا قيمة له بالكلية، وطرف آخر يقول: لا، الحساب هو المعتمد، والرؤية مشكوك فيها. وهذا وسط بين القولين، لا نهدر الحساب ونعمل بالنص، لكن نستفيد من الحساب في النفي، لا في الإثبات، وشرحت معنى النفي ومعنى الإثبات.