"بَابُ سِوَاكِ الرَّطْبِ وَاليَابِسِ لِلصَّائِمِ"
وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ».
وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ».
وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ.
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وَضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»".
قوله رحمه الله: "بَابُ سِوَاكِ الرَّطْبِ وَاليَابِسِ لِلصَّائِمِ" أي: التفريق بين السواك الرطب واليابس للصائم، وأثر ذلك في الصيام، وقد تقدمت الإشارة إلى قول من يقول بالتفريق بين الرطب واليابس، فيجيز استعمال اليابس للصائم دون الرطب؛ لما في الرطوبة من خشية إفساد الصوم بدخول ما يتحلل أو ما يكون في فمه من أثر السواك.
قوله رحمه الله: "وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ"، وهذا الأثر ضعفه جماعة من أهل العلم، ولا بأس بإسناده، وهو الدليل على عدم التفريق بين أول النهار وآخره، وقد أشار البخاري إلى ضعفه حيث قال: "ويُذكر".
قوله رحمه الله: "وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»"، ولم يُفرق في ذلك بين الصائم وغيره.
وكذلك الأحاديث الأخرى التي فيها استياكه صلى الله عليه وسلم وأمره بالسواك للصلاة أو الوضوء في قوله: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» مسند أحمد (9928)، وصححه ابن خزيمة (140)، وابن حبان (1531).
قوله رحمه الله: "وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ" أي: الصائم في السواك، وقد تقدم، دون تفريق بين رطب ويابس.
قوله رحمه الله: "وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ»".
قوله رحمه الله: "وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ" أي: نحو هذا الحديث "وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ".
ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لا فرق بين السواك الرطب واليابس للصائم، وأنه يجوز له استعمال هذا وذاك، وذكرتُ أنه إذا وجد في فمه طعمًا للسواك الرطب، فأسلم له وأبعد عن الإشكال ألا يبتلعه، أما من حيث الأصل في السواك، السواك لا بأس به للصائم في أول النهار وفي آخره.
واستدل لذلك أيضًا بما جاء في حديث عثمان رضي الله عنه؛ أنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاًثا، وتمضمض واستنثر، وهو جذب الماء وإخراجه الماء من الأنف، إلى آخر ما ذكر في صفة الوضوء، والشاهد فيه أنه تمضمض، ومعلوم أن المضمضة سيبقى من أثرها في فم الصائم شيء، ولم يأمره الشارع بالتخلي عن هذا الذي في جوفه، أو المبالغة في عدم طلب بقاء شيء في فمه من أثر المضمضة.