الشروط الأول: الإسلام، وهذا شرطٌ في كل العبادات؛ فإن الله لا يقبل أي عملٍ إلا بالإسلام، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يبعث مَن يبعث من أصحابه داعيًا إلى الله يأمره بأن يدعوهم إلى الإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عباس في قصة بعث معاذٍ إلى اليمن، قال: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» أخرجه بنحوه البخاري (1458)، ومسلم (19) وهذا هو الإسلام، إذًا الإسلام هو أول شروط وجوب الحج.

أما الشرط الثاني: العقل؛ فإن المجنون والمعتوه قد رُفع عنهما القلم.

والثالث: البلوغ، فإنه لا يجب الحج على من لم يبلغ، وهذا محل اتفاق لا خلاف بين العلماء فيه، ويدل له ما رواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ جيد مصنف ابن أبي شيبة (14875) بنحوه، وصححه الحاكم (1769) من حديث عبد الله بن عباس أنه قال: (خُذوا عني، ولا تقولوا: قال ابن عباس) يعني: لا يُضيف القول إلى نفسه بل هو من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خُذوا عني) أي؛ تلقوا عني ما أخبركم به ولا تنسبوه إليَّ، ولا تقولوا قال ابن عباس: «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَبْلُغْ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَمَنْ حَجَّ وَلَمْ يَعْتُقْ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى إِذَا عَتَقَ». وهذا يدل على أن من شروط وجوب الحج أن يكون الإنسان بالغًا، أما إذا لم يكن بالغًا فإنه يصح منه الحج، ولكن لا يُجْزِئُه عن حجة الإسلام، وهذا محل اتفاق لا خلاف بين العلماء فيه، ودليل ذلك: ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس أن امرأةً رفعت صبيًّا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج، قال: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» أخرجه مسلم (1336) لكن هذا ليس دليلًا على إجزاء الحج، إنما دليلٌ على صحته من الصغير، لكنه لا يُجزئه، وعلى هذا أجمعت الأمة.

أما الحرية فأيضًا ذلك محل إجماع، فأجمعت الأمة على أن العبد لا يلزمه الحج، والعلة في ذلك: أن منافعه مستحقة لسيده، فليس هو مستطيعًا، ويدل له أيضًا: ما تقدم من حديث عبد الله بن عباس في قوله: «أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ وَلَمْ يَعْتُقْ، فَعَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» تقدم تخريجه هذا رابع الشروط.

أما خامس الشروط من شروط الحج الاستطاعة وهو محل التفصيل؛ لأن الشروط الثلاثة الأُوَل متفقٌ عليها في كل العبادات، كل العبادات يُشترط لها؛ الإسلام، العقل، البلوغ، كل العبادات يُشترط فيها هذا فيما يتعلق بالفعل إذا كان فعلًا من المكلف يتعلق به هو، أما ما يتعلق بالحرية فهو شرطٌ في الحج بالإجماع.

أما الاستطاعة؛ فإن الله ذكر ذلك في كتابه، وذكرها رسوله -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم بيانه في قول الله -جل وعلا-: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ آل عمران:97، ثم إنه شرطٌ في الأصل مذكورٌ في كل العبادات يعني؛ هو مشترطٌ في كل العبادات ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ التغابن:16، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ البقرة:286، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ الطلاق:7، «مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337) فهو شرطٌ في جميع العبادات، لكن نُصَّ عليه في الحج على وجه الخصوص؛ لأن الحج فيه كُلفة، وعناء، ومشقة زائدة على سائر ما يكون من العبادات، ولذلك ذُكِر هذا الشرط بالنص على وجه الخصوص في حق مَنْ حج البيت، فقال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ آل عمران:97، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» تقدم تخريجه وقد قال عمر -رضي الله تعالى عنه- في بيان المشقة الحاصلة بالحج: "شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الحَجِّ فَإِنَّهُ أَحَدُ الجِهَادَيْن" أخرجه البخاري معلقًا (2/ 133) .